قوله : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) : يعني الخوف (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) : أي بإسحاق (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) (٧٤) : أي يخاصمنا في قوم لوط. وإنّما كانت مجادلته مخاصمة للملائكة.
ذكروا عن حذيفة بن اليمان أنّه قال : لمّا بعثت الملائكة إلى قوم لوط عهد إليهم ألّا يهلكوا قوم لوط حتّى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات. فأتوا على إبراهيم ، وكان الطريق عليه ، (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) فقال : أتهلكون قوم لوط وفيهم لوط؟ (قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٢٢) [العنكبوت : ٣٢] فقال : أتهلكون قوم لوط وإن كان فيهم أربعون من المسلمين؟ قالوا : لا. قال : أتهلكون قوم لوط وإن كان فيهم ثلاثون من المسلمين؟ قالوا : لا. قال : أتهلكون قوم لوط وإن كان فيهم عشرون من المسلمين؟ قالوا : لا. قال : أتهلكون قوم لوط وإن كان فيهم عشرة من المسلمين؟ قالوا : لا. فذكر لنا أنّ مجادلته إيّاهم هي هذه. وذكر لنا أنّهم ثلاث قريات فيها ما شاء الله من الكثرة.
قوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (٧٥) : ذكر بعضهم قال : الأوّاه : الرحيم ، والمنيب : التائب. وقال بعضهم : الأوّاه : الدّعّاء ، والمنيب : المخلص لله المصلّي. وقال ابن مسعود : الأوّاه : الرحيم. وقال مجاهد : (أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) : فقيه مؤمن ، وقال بعضهم : الموفّق (١).
قوله : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) : قال الكلبيّ : سأل إبراهيم ربّه ألّا يهلك لوطا وأهله ، وأن يعفو عن قوم لوط ، فقيل له : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) قال : (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (٧٦) (٢).
__________________
(١) كذا في المخطوطات الأربع ، «الموفّق» ، ولعلّ في الكلمة تصحيفا صوابه : «الموقن» ، وهو تفسير نسب إلى ابن عبّاس ، وانظر ما مضى في هذا الجزء ، تفسير الآية ١١٤ من سورة التوبة.
(٢) وقع اضطراب ونقص في هذه الآية في بعض المخطوطات أثبتّ صحّة ذلك من ز ، ورقة ١٤٨.