الشقيّ من شقي في بطن أمّه ، والسعيد من سعد في بطنه أمّه (١). ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : حدّثنا الصادق المصدّق قال : إنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوما نطفة ، ثمّ يكون أربعين يوما علقة ، ثمّ يكون أربعين يوما مضغة ، ثمّ يبعث الملك فيؤمر أن يكتب رزقه وعمله وأجله وأثره (٢) ، وشقيّ أو سعيد. والذي لا إله غيره إنّ العبد ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى لا يكون بينه وبين الجنّة إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار حتّى يدخلها. وإنّ العبد ليعمل بعمل أهل النار حتّى لا يكون بينه وبين النار إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنّة حتّى يدخلها (٣).
قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) (١٠٦) : قال بعضهم : هذا حين ينقطع كلامهم حيث يقول الله : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١٠٨) [المؤمنون : ١٠٨]. وذلك أنّ أهل النار يدعون مالكا ، فيذرهم مقدار أربعين خريفا ، ثمّ يجيبهم : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) (٧٧) [الزخرف : ٧٧]. ثمّ يدعون ربّهم : فيذرهم قدر عمر الدنيا ثمّ يقول : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) ؛ فلا ينبسون بعدها بكلمة ، ولا كان إلّا الزفير والشهيق في نار جهنّم. فشبّه أصواتهم بأصوات الحمير ، أوّلها زفير وآخرها شهيق (٤). قوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) : أي إنّ الجنّة في السماء والنار في الأرض (٥) ، وذلك ما لا ينقطع أبدا.
__________________
(١) انفردت ع بهذه الجملة الأخيرة ، وهي أنسب للمقام ، وفي ق وج ود : «والسعيد من وعظ بغيره».
(٢) كذا في ج : «وأجله وأثره» ، وسقطت الكلمة : «وأجله» من د ، وسقطتا معا من ق وع.
(٣) حديث صحيح متّفق عليه ، أخرجه أصحاب السنن عن عبد الله بن مسعود. أخرجه البخاريّ ومسلم في كتاب القدر ، وهو في صحيح مسلم في باب كيفيّة خلق الآدميّ في بطن أمّه ... (رقم ٢٦٤٣) وجاء فيه : «ويؤمر بكتب رزقه وأجله وعمله وشقيّ أو سعيد».
(٤) أورد ابن أبي زمنين في ورقة ١٥٠ شرحا لغويّا للكلمتين فقال : «ذكر عن الخليل أنّه قال : الشهيق : ردّ النفس ، والزفير : إخراج النفس. وقيل : الزفير : صوت المكروب بالأنين ، والشهيق : أشدّ منه ارتفاعا».
(٥) كذا ورد تأويل هذه الآية في المخطوطات الأربع ، وفي ز ، ورقة ١٥٠. ولم أجده فيما اطّلعت عليه من كتب التفسير. وما وجدته قريبا منه ما ذكر عن ابن زيد في قوله تعالى : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) قال : «ما دامت الأرض أرضا والسماء سماء».