قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) : [يعني ما سبقهم به الذين دخلوا قبلهم] (١) كقوله : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) ، وقال : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) [الزمر : ٧١ و ٧٣]. فالزمرة تدخل بعد الزمرة ، إلّا ما شاء ربك (٢). قال : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٠٧).
قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) : أي إلّا ما سبقهم به الذين دخلوا قبلهم. وذكر ههنا ما افترت الفرقة الشاكّة من أنّ قوما يدخلون النار ، ثمّ يخرجون منها بالشفاعة ؛ فإنّ هذا موضعه وموضع الردّ عليهم (٣). قوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١٠٨) : أي غير مقطوع. قوله : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) يقول للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : فلا تك في شكّ (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) يعني مشركي العرب. (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ) : أي : إلّا ما كان يعبد آباؤهم (٤) (مِنْ قَبْلُ) :
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ١٥٠.
(٢) انظر أوجها من وجوه تأويل هذا الاستثناء في معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ٢٨ ، وفي تفسير الطبريّ ج ١٥ ، ص ٤٨١ فما بعدها. وكان من المنتظر أن يقف الشيخ هود في هذا الاستثناء والذي بعده ويبيّن رأيه في ذلك ، ولكنّه لم يفعل. انظر إن شئت في هذا الموضوع ما قاله قطب الأئمّة محمّد اطفيّش في تيسير التفسير ، ج ٦ ص ٤٤ ـ ٤٦ ، فقد ذكر أوجها لمعنى الخلود ما دامت السماوات والأرض ، وللاستثناء الوارد بعده فقال : «(إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من مدّة ، وهي ما بين قيام الساعة إلى دخول النار فإنّهم يعذّبون في قبورهم بنار تارة ، وتعذّب أرواحهم في سجّين تارة بها. والمستثنى منه هو المصدر الظرفيّ ، وهو دوام السماوات والأرض».
(٣) هذا كلام الشيخ هود الهوّاريّ يشير به إلى من يخالف رأيه في مسألة الخلود ؛ وهي ـ كما تعلم ـ من مسائل الخلاف بين العلماء. ولكنّ الشيخ هودا حين ذكر أنّ هذا موضع الردّ على من يسمّيهم «الفرقة الشاكّة» لم يردّ عليهم بالحجج ، واكتفى بحذف تأويلهم للآية ، وعدم ذكر رأيهم. فقد نقل ابن أبي زمنين في ز ، ورقة ١٥٠ ـ ١٥١ ، قولا للسديّ في تفسير الآية فقال عن الاستثناء الأوّل : «(إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) لأهل التوحيد الذين يدخلون النار فلا يدومون فيها ، يخرجون منها إلى الجنّة». وقال عن الاستثناء الثاني : «(إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) يعني ما نقص لأهل التوحيد الذين أخرجوا من النار». وسيعود الشيخ هود إلى هذا الموضوع بشيء من التفصيل في أوائل سورة الحجر ، ستقف عليه هناك ، إن شاء الله.
(٤) جعل المؤلّف هنا «ما» في قوله : (كما) موصولة ، ويمكن أن تكون مصدريّة ، أي : كعبادة آبائهم ، كما جاءت ـ