قوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) : وهي السواد الذي في القمر. ويقال محي من ضوء القمر من مائة جزء تسعة وتسعون جزءا وبقي منها جزء واحد. قال : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) : أي منيرة ، يعني به ضوء النهار. (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) : يعني بالنهار. (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) : بالليل والنهار. (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) (١٢) : أي بيّنّاه تبيينا ، وقال الحسن : فصّلنا الليل من النهار وفصّلنا النهار من الليل ، والشمس من القمر والقمر من الشمس.
قوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) : قال الحسن : (طائره) : عمله (١).
قوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤) : قال بعضهم : سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا.
ذكروا عن أبيّ بن كعب قال : يدعى الخلائق يوم القيامة للحساب ؛ فإذا كان الرجل في الخير رأسا ، يدعو إليه ويأمر به ، ويكثر عليه تبعه ، دعي باسمه واسم أبيه ، فيقوم ، حتّى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخطّ أبيض في باطنه السيّئات ، وفي ظاهره الحسنات ، فيبدأ بالسيّئات فيقرأها فيشفق ويتغيّر لونه. فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه سيّئاتك وقد غفرت لك فيفرح. ثمّ يقلب كتابه فيقرأ حسناته ، فلا يزداد إلّا فرحا. ثمّ إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه حسناتك وقد ضوعفت لك ، فيبيضّ وجهه ، ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه ويكسى حلّتين ، ويحلّ كلّ مفصل منه ويطول ستّين ذراعا ، وهي قامة آدم. ويعطى كتابه بيمينه ، فيقال له : انطلق إلى أصحابك فبشّرهم وأخبرهم أنّ لكلّ إنسان منهم مثل هذا. فإذا أدبر قال : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٢٠) يقول الله : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ) (٢٣) [الحاقّة : ١٩ ـ ٢٣] فيقول لأصحابه : هل تعرفونني؟ فيقولون : قد غيّرتك كرامة الله ، من أنت؟ فيقول : أنا فلان بن فلان ، ليبشر كلّ
__________________
(١) هذا هو التأويل الذي ذهب إليه الجمهور من المفسّرين. قال مجاهد في ص ٣٥٩ : «(طائره في عنقه) قال : عمله ، خيره وشرّه». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ١ ص ٣٧٢ : «(ألزمناه طائره) أي : حظّه».