رجل منكم بمثل هذا.
وإذا كان في الشرّ رأسا يدعو إليه ، ويأمر به ، ويكثر عليه تبعه ، نودي باسمه واسم أبيه ، فيقدم إلى حسابه فيخرج له كتاب أسود بخطّ أسود ، في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيّئات. فيبدأ بالحسنات فيقرأها ، فيفرح ويظنّ أنّه سينجو. فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه حسناتك وقد ردّت عليك ، فيسودّ وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير. ثمّ يقلب كتابه فيقرأ سيّئاته فلا يزداد إلّا حزنا ، ولا يزداد وجهه إلّا سوادا. فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه سيّئاتك وقد ضوعفت لك ، فيعظم للنار حتّى إنّ فخذه لتكون مسيرة ثلاثة أيّام وجلده مقدار أربعين ذراعا ؛ وتزرقّ عيناه ، ويسودّ لونه ، ويكسى سرابيل القطران. ثمّ تخلع كفّه (١) اليسرى فتجعل وراء ظهوره ، ثمّ يعطى كتابه بشماله ويقال له : انطلق إلى أصحابك وخبّرهم أنّ لكلّ إنسان منهم مثل هذا. فينطلق به وهو يقول : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) (٢٩) قال الله تعالى : (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) (٣٢) [الحاقّة : ٢٥ ـ ٣٢] فيسلك فيها سبعين ذراعا كما قال الله ؛ يسلك فيها سلكا تدخل من فيه حتّى تخرج من دبره. فينادي أصحابه فيقول : هل تعرفونني؟ فيقولون : لا ندري. ولكن نرى ما بك من الحزن ، فمن أنت؟ فيقول : أنا فلان بن فلان ، ولكلّ إنسان منكم مثل هذا. ثمّ ينصب للناس فتبدو فضائحه حتّى [يعيّر و] (٢) يتمنّى أن لو انطلق به إلى النار استحياء ممّا يبدو منه.
قوله : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أي : شاهدا.
قوله : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) : أي على نفسه ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) : أي : لا يحمل أحد ذنب آخر.
__________________
(١) كذا في بعض المخطوطات : «كفه» ، وهو أصحّ ، وفي بعضها وفي سع ، ورقة ٨ ب : «كتفه».
(٢) زيادة من سع ورقة ٨ ب.