يضرّهم شيء. فعملوا بذلك سنين ، حتّى أثروا منه ، وتزوّجوا النساء ، واتخذوا الأموال.
فمشى إليهم طوائف من صالحيهم فقالوا : يا قوم ، إنّكم قد انتهتكم حرمة سبتكم ، وعصيتم ربّكم ، وخالفتم سنّة نبيّكم ، فانتهوا عن هذا العمل الرديء قبل أن ينزل بكم العذاب ، فإنّا قد علمنا أنّ الله منزل بكم عذابه عاجلا ونقمته. قالوا : فلم تعظوننا إذ علمتم أنّ الله مهلكنا ، والله لقد عملنا هذا العمل منذ سنين ، فما زادنا الله به إلّا خيرا ؛ وإن أطعتمونا لتفعلنّ مثل الذي فعلنا ؛ فإنّما حرّم هذا على من قبلنا ، وهم الذين نهوا عنه. قالوا : ويلكم لا تغترّوا ولا تأمنوا بأس الله ، فإنّه كأن قد نزل بكم. قالوا : ف (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ ، أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) ؛ إمّا أن تنتهوا فيكون لنا أجر ، أو تهلكوا فننجو من معصيتكم. فأنزل الله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.) فأصبح الذين استحلّوا السبت قردة خاسئين. وقال بعضهم : إنّهم صاروا ثلاث فرق : فرقة اجترأت على المعصية ، وفرقة نهت ، وفرقة كفّت فلم تصنع ما صنعوا ولم تنههم ؛ فقالوا للذين نهوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ ، أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
قوله : (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) : أي يعتدون في السبت ، وهو من الاعتداء (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) : قال الحسن : إنّ الله حرّم عليهم أخذ الحيتان يوم السبت بخطيئة كانت منهم ، وأحلّ لهم الأيّام كلّها إلّا يوم السبت. فإذا كان يوم السبت أتتهم على أبوابهم فتنبطح وتشرع (١). (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) : أي في غير يوم السبت (لا تَأْتِيهِمْ). قال الله : (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ) : أي نبتليهم (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٣) : أي بما تعدّوا وأخذوا في السبت.
(وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٦٤).
__________________
(١) أي تظهر على الماء ، قيل : رافعة رؤوسها ، وقيل : خافضة لها للشرب. انظر : اللسان (شرع).