قوله : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) : أي كذّبوا بآياتنا ، (مُعاجِزِينَ) أي : يظنون أنّهم يعجزوننا فيسبقوننا في الأرض حتّى لا نقدر عليهم فنعذّبهم ، هذا تفسير الحسن. وتفسير مجاهد : (معاجزين) أي : مبطئين عن الإيمان (١). (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) : والجحيم : اسم من أسماء جهنّم.
قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) : أي إذا قرأ ، في تفسير بعضهم. وقال مجاهد : إذا قال. وقال الكلبيّ : إذا حدّث نفسه.
وقال بعضهم : كان النبيّ قائما في المسجد الحرام يصلّي وهو يقرأ سورة النجم ؛ فلمّا أتى على هذه الآيات : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢٠) [النجم : ١٩ ـ ٢٠] ألقى الشيطان على لسانه : إنّهن من الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى. فأعجب ذلك المشركين ؛ فقرأ السورة حتّى ختمها ، فسجد وسجد أهل مكّة ؛ المؤمنون والمشركون ، والجنّ والإنس ؛ فأنزل الله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى).
قال الله : (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) : يعني المشركين. قال : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) : يعني المشركين (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٥٣) : أي لفي فراق بعيد ، أي إلى يوم القيامة ، يعني فراقهم عن الحقّ (٢).
__________________
(١) كذا في ب وع وسع. وفي ز ورقة ٢٢٣ : «مبطّئين للناس عن الإيمان». وفي تفسير مجاهد ، ص ٤٢٧ : «يقول : يبطّئون الناس عن اتّباع محمّد صلىاللهعليهوسلم».
(٢) روى ابن سلّام في مخطوطة سع ورقة ٤٢ وو ما بعدها حديث الغرانيق هذا بسند واه عن أبي العالية الرياحي ، وعن قتادة ، وعن الكلبيّ. وهي روايات كلّها مرسلة ، وأورد الطبريّ كذلك في تفسيره روايات مماثلة عن محمّد بن كعب القرظيّ ، ومحمّد بن قيس ، وعن سعيد بن جبير وغيرهم ؛ ممّا يدلّ دلالة واضحة على أنّ الحديث موضوع ، لا أصل له ، ولا يعتدّ به ، ولا يجب التصديق به ؛ لأنّه يقدح في عصمة الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم. وقد نقد المحقّقون من علماء التفسير قديما وحديثا قصّة الغرانيق هذه وبيّنوا علل ضعفها ، وأثبتوا وضعها ، ممّا لا يدع مجالا للشكّ في أنّها من كيد الدسّاسين أو من روايات الجهلة المغفّلين ، ولا يوهمنّك كثرة الرواة لها في كتب التفسير فإنّ أغلبهم نقلة لما قال غيرهم بدون نقد أو تمحيص. وممّن جمع هذه الردود المتينة وأوضحها بجلاء العلّامة محمّد جمال الدين القاسميّ في تفسيره محاسن التأويل ، ـ