كانت لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها. (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٤٦) : أي إنّما أتوا من قبل قلوبهم. ولو أنّ رجلا كان أعمى بعد أن يكون مؤمنا لم يضرّه شيء وكان قلبه بصيرا.
وقال بعضهم : إنّما هذه الأبصار التي في الرؤوس جعلها الله منفعة وبلغة ، وأمّا البصر النافع فهو في القلب. وذكر لنا أنّها نزلت في عبد الله بن زائدة (١).
ذكروا عن مجاهد قال : لكلّ عين ـ يعني نفسا ـ أربعة عيون : عينان في رأسه لدنياه ، وعينان في قلبه لآخرته. فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضرّه عماه شيئا. وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه [بصره] (٢) شيئا إذا عميت عينا قلبه. قال الله : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) : وذلك منهم استهزاء وتكذيب ، أي فإنه لا يكون. (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) : قال الحسن : يعني هلاكهم بالساعة قبل عذاب الآخرة.
قال : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) : (٤٧) أي إنّ يوما من أيّام الآخرة كألف سنة من أيّام الدنيا.
قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) : أي وكم من قرية (أَمْلَيْتُ لَها) : إلى الوقت الذي أخذتها فيه (وَهِيَ ظالِمَةٌ) : أي وهي مشركة ، يعني أهلها (ثُمَّ أَخَذْتُها) : أي بالعذاب (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) : (٤٨) أي وإلى الله المصير في الآخرة.
قوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) : أي لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) : (٥٠) أي الجنّة.
__________________
(١) في ب وع جاء الاسم هكذا : «عبد الله بن سعيد» ، وفي سع ورقة ٤٢ و : «عبد الله بن زيد» وكلاهما خطأ ؛ والصواب ما أثبتّه إن شاء الله. فقد جاء في الدرّ المنثور ، ج ٤ ص ٣٦٥ مايلي : «عبد الله بن زائدة ، يعني ابن أمّ مكتوم». والقول لقتادة. وأنا أستبعد نزول الآية في الصحابيّ الجليل ابن أمّ مكتوم الذي شهد الله له بالخشية في سورة عبس [الآية : ٩] ، والآية هنا في معرض الذمّ ، اللهمّ إلّا قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) ، والله أعلم.
(٢) زيادة يقتضيها سياق الكلام. والعبارة : «إذا عميت عينا قلبه» تكرار لا لزوم له ورد في ب وع دون سع.