(وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ) : على من تاب من ذنبه (حَكِيمٌ) (١٠) : أي في أمره ؛ إذ جعل للمتلاعنين متابا ومرجعا.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) : أي جماعة منكم (١).
قال بعضهم : هذا كان في شأن عائشة وما أذيع عليها أنّها كانت مع رسول الله في سفر ، فأخذ الناس في الرحيل ، فانقطعت قلادة لها ، فطلبتها في المنزل ومضى الناس. وقد كان صفوان بن المعطّل تخلّف عن المنزل قبل ذلك. ثمّ أقبل فوجد الناس قد ارتحلوا ، وهو على بعيره. فإذا هو بعائشة ، فجاءها ببعيره وولّاها ظهره حتّى ركبت. ثمّ قاد بها ، فجاء بها وقد نزل الناس. فتكلّم بذلك قوم واتّهموها.
بلغنا أنّ عبد الله بن أبيّ بن سلول وحسّان بن ثابت ومسطحا وحمنة بنت جحش هم الذين تكلّموا في ذلك ، ثمّ شاع ذلك في الناس. فزعموا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لّما أنزل الله عذرها جلد كلّ واحد منهم الحدّ. وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) يعني هؤلاء.
ثمّ قال تعالى : (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ) : يعني عائشة وصفوان ، يعني ما قيل فيهما (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) أي من الذين قالوا ما قالوا (مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) أي ما اقترف من الذنب على قدر ما أشاع.
(وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ) : أي الذي بدأ به (٢) (لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١) : قال بعضهم : هو مسطح ، فذهب بصره وهو العذاب العظيم. وقال بعضهم : هو عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق ، (لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، أي : جهنّم ، فلا أعظم من ذلك.
قوله : (لَوْ لا) : أي هلّا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) : أي
__________________
(١) حديث الإفك هذا حديث مشهور ، وفيه من المواعظ والعبر ما يستطيع كلّ قارئ أن يستفيد منه حسب مستواه وإدراكه. اقرأه بتفصيل في كتب السيرة والحديث. انظر مثلا سيرة ابن هشام ، ج ٣ ص ٢٩٧ ـ ٣٠٧ ، ومغازي الواقديّ ، ج ٢ ص ٤٢٦ ـ ٤٤٠ ، وتفسير الطبريّ ، ج ١٨ ص ٨٦ ـ ٩٥ ، وفتح الباري ج ٨ ، ص ٤٥٢ ـ ٤٨٩.
(٢) وقال أبو عبيدة في المجاز : «(تَوَلَّى كِبْرَهُ) أي : تحمّل معظمه ، وهو مصدر الكبير من الأشياء ، والأمور وفرّقوا بينه وبين مصدر الكبير السنّ فضمّوا هذا فقالوا : هو كبر قومه ...».