ذكروا أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال : ما رأيت مثل رجل لم يلتمس الغنى في الباءة ، أي : النكاح ، والله يقول : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
قال : (وَاللهُ واسِعٌ) بخلقه (عَلِيمٌ) (٣٢) بأمرهم.
قوله : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) : أي حتّى يجدوا ما يتزوّجون به.
قوله : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) أي إن علمتم عندهم مالا. وليس بفريضة إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه. وقال بعضهم : إن علمتم منهم صدقا ووفاء وأمانة. وقال ابن عبّاس : إن علمتم عندهم حرفة أو عملا. ويكره أن يكاتبه وليست له حرفة ولا عمل إلّا على مسألة الناس. فإن كان له حرفة أو عمل ثمّ تصدّق عليه من الفريضة أو التطوّع فلا بأس على سيّده ، لأنّه من ذوي فريضتها ، قد وجبت له الزكاة ، وصار حرّا قد استوجب سهما من سهام الصدقة ؛ فلا بأس أن يأخذ منه ما قد ملّكه الله وأحلّه له.
قوله : (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) : [قال بعضهم : أي أن يترك له طائفة من مكاتبته] (١). وقال بعضهم : أي أعطوهم ممّا أوجب الله لهم من سهمهم في الصدقة ؛ يقول : إنّهم أحرار ، وإنّهم قد وجبت لهم الصدقة بفرض الله لهم منها سهما فيها. وهي عنده كقوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) [التوبة : ٦٠] لهؤلاء الذين سمّاهم الله في الصدقات ، فكذلك قوله : (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) أي : أعطوهم فرضهم الذي فرض الله لهم في كتابه (٢).
__________________
ـ الدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٤٥ ، وفي تفسير الطبريّ ، ج ١٨ ص ١٢٦ : عن عبد الله بن مسعود قال : التمسوا الغنى في النكاح ، يقول الله : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
(١) زيادة من سع ورقة ٥٣ و ، وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٥١ : «حدّثنا حبّان عن الكلبيّ عن أبي صالح عن عليّ بن أبي طالب قال : يعطيه ثلث مكاتبته ، يعني المولى يهب له ثلث مكاتبته».
(٢) أورد ابن سلّام في تفسير هذه الآية صورا كثيرة من المكاتبة وأقوالا للصحابة وللتابعين وأحكاما مفصّلة مفيدة للمتفقّة. فهذه الأحكام ، وإن لم تكن الحاجة إليها أكيدة في عصرنا هذا ، توسّع آفاق معرفة الطالب ، ـ