أي يودّ المنافقون (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) : يعني في البادية مع الأعراب ، أي : يودّون من الخوف لو أنّهم في البدو (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) : وهو كلام موصول ؛ وليس بهم في ذلك إلّا الخوف على أنفسهم وعيالهم وأموالهم ، لأنّهم مع المسلمين قد أقرّوا بدينهم ، وادّعوا ملّتهم ، وجاهدوا معهم أعداءهم ، وهم يتمنّون أن يظفر المشركون على المسلمين من غير أن تدخل عليهم في ذلك مضرّة.
قال : (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) (٢٠) : وذلك القليل إنّما يقاتل رياء وسمعة بلا حسبة ولا نيّة.
قوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢١) : وهذا الذكر تطوّع ليس فيه وقت.
قال : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) : يعنون الآية التي في سورة البقرة ، وقد فسّرناه قبل هذا الموضع (١). (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ). قال الله : (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٢٢) : (إِلَّا إِيماناً) ، أي : تصديقا (وَتَسْلِيماً) أي : لأمر الله.
وتفسير الكلبيّ أنّ الأحزاب لّما خرجوا من مكّة أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالخندق أن يحفر ، فقالوا : يا رسول الله ، وهل أتاك من خبر؟ فقال : نعم. فلمّا حفر الخندق وفرغ منه أتاهم الأحزاب. فلمّا رآهم المؤمنون قالوا : (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ..). إلى آخر الآية.
قوله : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) : حيث بايعوه على أن لا يفرّوا ، وصدقوا في لقائهم العدوّ ، وذلك يوم أحد. (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) : تفسير مجاهد : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي : عهده فقتل أو عاش (٢) (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) يوما فيه قتال فيقضي عهده ويقاتل [فيقتل أو يصدق في لقائه] (٣). وبعضهم يقول : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي : أجله ،
__________________
(١) يشير إلى الآية الكريمة : (أَمْ حَسِبْتُمْ ، أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ..). إلى قوله : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) الآية ٢١٤ من سورة البقرة. وانظر ما سلف قريبا في هذا الجزء ، تفسير الآيتين ١١ ـ ١٢ من هذه السورة (الأحزاب).
(٢) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٣٥ : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي : نذره الذي كان نحب ، أي : نذر. والنحب أيضا النفس ، أي : الموت ...».
(٣) زيادة من سح ، ورقة ١١٨.