يَأْتُونَ الْبَأْسَ) : أي القتال (إِلَّا قَلِيلاً) (١٨) : وإنّما قلّ لأنّه إنّما كان لغير الله ، أي : إنّما فعلوه رياء وسمعة ، ولم تكن لهم فيه حسبة (١) ولا نية. وهو كقوله : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) (١٤٢) [النساء : ١٤٢] إلّا التوحيد الذي كان منهم ، وهو قليل إذ لم يكملوه بالعمل الصالح. [قال : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) : أي لا يتركون لكم من حقوقهم من الغنيمة شيئا] (٢).
رجع الكلام إلى أوّل القتال قبل أن تكون الغنيمة قال : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ) : يعني القتال (رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) : أي خوفا من القتال. (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ) : أي فإذا ذهب القتال (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) : أي صاحوا عليكم. والسلق : الصياح (٣) (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) : أي على الغنيمة.
قال الله : (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) : أي لم يؤمنوا فيكملوا الإيمان بالتقوى ؛ كقوله : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) [المائدة : ٤١] ، أي : أقرّوا بألسنتهم ولم تكن قلوبهم تصبر على العمل بما أقرّوا به بألسنتهم.
قال : (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) : أي أبطل حسناتهم لأنّهم فعلوا ما فعلوا رياء وسمعة بغير نيّة ولا حسبة [(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (١٩)]. وقال بعضهم : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) أي : على القتال ، أي : لا يقاتلون فيرغبون في الجهاد ، ويحتسبون فيه ما يحتسب المؤمن. وتفسير الكلبيّ أنّ رجلا من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم لّما مسّهم الحصر والبلاء في الخندق رجع إلى أهله ليصيب طعاما أو إداما ، فوجد أخاه يتغدّى تمرا. فدعاه ، فقال أخوه المؤمن : قد بخلت عليّ وعلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسك ، فلا حاجة لي في طعامك.
قال : (يَحْسَبُونَ) : أي المنافقون (الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا) :
__________________
(١) في ب وع : «خشية ولا نية» ، وفي سح : «بغير حسبة ولا إخلاص» ، وفي ز : «بغير حسبة» ، وأثبتّ ما رأيته صوابا : «حسبة» ، أي : احتساب أجر العمل عند الله.
(٢) قوله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) وتفسيره ساقطان من ب وع ، فأثبتّهما من سح وز.
(٣) كذا في المخطوطات كلها : «السلق : الصياح» ، وفي مفردات الراغب الأصفهاني : «السلق بسط بقهر ، إمّا باليد أو باللسان». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٣٥ : «أي : بالغوا في عيبكم ولائمتكم ، ومنه قولهم : خطيب مسلق ...» ، وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٤ ص ٣٣٩ : «آذوكم بالكلام عند الآمن». وفي اللسان : «السلق : شدّة الصوت ... وسلقه يسلقه سلقا إذا أسمعه ما يكره فأكثر».