(اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) : أي عن عبادة الله (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) : يعني الشرك وما يمكرون برسول الله وبدينه. وقال في آية أخرى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ..). إلى آخر الآية [الأنفال : ٣٠].
قال : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) : وهذا وعيد لهم. قال : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) : أي سنّة الله في الأوّلين. كقوله : (سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) [غافر : ٨٥] المشركين ، أي : إنّهم كانوا إذا كذّبوا رسلهم أهلكهم ، فيؤمنون عند نزول العذاب فلا يقبل ذلك منهم.
قال : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) : أي لا يبدّل بها غيرها (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (٤٣) : أي لا تحول. وأخّر عذاب كفّار آخر هذه الأمّة إلى النفخة الأولى بالاستئصال ، بها يكون هلاكهم. وقد عذّب أوائل مشركي هذه الأمّة بالسيف يوم بدر.
قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي بلى ، قد ساروا ، وليتفكّروا فيما أهلك الله به الأمم ، فليحذروا أن ينزل بهم ما نزل بهم (١). وكان عاقبة الذين من قبلهم أن دمّر الله عليهم ثمّ صيّرهم إلى النار.
قال : (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ) : أي ليسبقه (مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) : أي حتّى لا يقدر عليه (إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً) (٤٤).
قوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) : أي بما عملوا (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) : يقول : لحبس عنهم القطر ، فهلك ما في الأرض من دابّة (٢). (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ) : يعني المشركين (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : أي الساعة التي يكون بها هلاك آخر كفّار هذه الأمّة (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) : أي الساعة (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) (٤٥) : لا تخفى عنه منهم خافية ، أي : لا يكذّب صادقا ، ولا يصدّق كاذبا ، ولا يقضي بباطل ، سبحانه وتعالى.
__________________
(١) كذا في ب وع ، وفي سح ورقة ١٧٢ : «فلو تفكّروا فيما أهلك الله به الأمم فيحذروا أن ينزل بهم ما نزل بهم».
(٢) في ع : «يحبس عنهم المطر فتهلك كلّ دابّة». وما أثبتّه من سح ومن ز أصحّ عبارة وأنسب.