المؤمن عمله في أحسن صورة رآها قطّ ، أحسنه حسنا ، وأجمله جمالا ، وأطيبه ريحا. لا يرى شيئا يخافه ، ولا شيئا يروعه إلّا قال : لا تخف وأبشر بالذي يسرّك ، لا والله ما أنت الذي يراد ، ولا أنت الذي يعنى. فإذا قال له ذلك مرارا قال له : من أنت ، أصلحك الله؟ والله ما رأيت أحسن منك وجها ، ولا أطيب منك ريحا ، ولا أحسن منك لفظا. فيقول له : أتعجب من حسني؟ فيقول : نعم. فيقول : إنّي والله عملك. إنّ عملك والله كان حسنا ، إنّك كنت تحملني في الدنيا على ثقلي. وإنّي والله لأحملنّك اليوم ، فيحمله. وإنّها التي يقول : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦١) [الزمر : ٦١].
قال : ويبعث مع الكافر عمله في أقبح صورة رآها قطّ ، أقبحه قبحا ، وأنتنه ريحا ، وأسوأه منظرا. لا يرى شيئا يخافه ولا يروعه إلّا قال له : يا خبيث ، أبشر بالذي يسوءك. أنت والله الذي يراد ، والذي يعنى. فإذا قال له ذلك مرارا قال له : أعوذ بالله منك ، والله ما رأيت أحدا أسوأ منك لفظا ، ولا أقبح منك وجها ، ولا أنتن منك ريحا. فيقول له : أتعجب منّي؟ فيقول : نعم ، فيقول : أنا والله عملك الخبيث ، إنّ عملك والله كان قبيحا. إنّك كنت تركبني في الدنيا ، وإنّي والله لأركبنّك اليوم. وإنّها التي يقول الله : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٣١) [الأنعام : ٣١].
قوله عزوجل : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) : والصور قرن ينفخ فيه صاحب الصور ، فينطلق كلّ روح إلى جسده. قال تعالى : (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ) : أي المشركين ، وهذا حشر إلى النار (يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) (١٠٢) : أي مسودّة وجوههم كالحة. (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ:) أي يسارّ بعضهم بعضا (إِنْ لَبِثْتُمْ) : أي في الدنيا (إِلَّا عَشْراً) (١٠٣) : أي يقلّلون لبثهم في الدنيا ، تصاغرت الدنيا عندهم.
قال الله عزوجل : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) : وقال الله عزوجل في آية أخرى : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (٦٣) [طه : ٦٣]. قال بعضهم : كانوا أكثر عددا وأموالا. وقال بعضهم : (أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أي : أعدلهم طريقة. (إِنْ لَبِثْتُمْ :) أي ما لبثتم (إِلَّا يَوْماً). (١٠٤) وهي مواطن. قالوا : إلّا عشرا وإلّا يوما و (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [المؤمنون : ١١٣]. وقال عزوجل : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) (٤٦)