ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : خصلتان من كانتا فيه كتبه الله صابرا وشاكرا ، ومن لم تكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا ؛ من نظر إلى من فوقه في الدين ودونه في الدنيا فاقتدى بهما كتبه الله صابرا وشاكرا. ومن نظر إلى من فوقه في الدنيا ودونه في الدين فاقتدى بهما لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا (١). ذكر الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : خير الرزق الكفاف ، اللهمّ اجعل رزق آل محمّد كفافا (٢). قوله عزوجل : (وَرِزْقُ رَبِّكَ) : أي في الجنّة (خَيْرٌ) : من الدنيا (وَأَبْقى) (١٣١) : أي لا نفاد له. قال بعضهم : (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) ممّا متّع به هؤلاء من زهرة الحياة الدنيا.
قوله عزوجل : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) : وأهله في هذا الموضع أمّته (وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) : أي لا نسألك على ما أعطيناك من النبوّة رزقا. وتفسير الحسن في ذلك التي في والذاريات : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) [الذاريات : ٥٧] أي : أن يرزقوا أنفسهم. قال بعضهم : فإن كانت هذه عند الحسن مثلها فهو لا نسألك رزقا ، أي أنت ترزق نفسك. وهذا أعجب إليّ.
(نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) (١٣٢) : أي لأهل التقوى ، والعاقبة الجنّة. كقوله عزوجل : (وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (٣٥) [الزخرف : ٣٥].
قوله عزوجل : (وَقالُوا لَوْ لا) : أي هلّا (يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) : قال الله عزوجل : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) (١٣٣) : أي في التوراة والإنجيل. كقوله عزوجل : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧].
قوله عزوجل : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) : أي من قبل القرآن (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) : أي هلّا أرسلت إلينا رسولا (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ
__________________
(١) انظر ما مضى ج ٢ ، تفسير الآية ٨٨ من سورة الحجر.
(٢) هما حديثان. أخرج الأوّل منهما أحمد في الزهد عن زياد بن جبير مرسلا ، ولفظه : «خير الرزق الكفاف». ورواهما ابن سلّام في سع ورقة ٣١ ظ عن الحسن مرسلين متّصلين. والصواب أنّهما حديثان. فقد أخرج الحديث الثاني الترمذيّ وابن ماجه ومسلم ؛ أخرجه مسلم في كتاب الزكاة ، باب الكفاف والقناعة ، عن أبي هريرة (رقم ١٠٥٤) ، ولفظه : «اللهمّ اجعل رزق آل محمّد قوتا» ، وفي لفظ له آخر : «كفافا» ، كما في كتاب الزهد والرقائق. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد ، باب القناعة ، عن أبي هريرة (رقم ٤١٣٩) ولفظه : «اللهمّ ارزق آل محمّد قوتا». وفي اللسان : «القوت ما يمسك الرمق من الرزق». وقيل : «هو ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام» كما عرّفه الجوهريّ في الصحاح.