قوله عزوجل : [(فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) : أي خزايا (١) ، قد حجّهم ، أي غلبهم في المحاجّة. وقال بعضهم : أصاب القوم خزية سوء (٢).
(لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ) : (٦٦) يعني أصنامهم. (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ:) (٦٧) أي أنّها لا تنفعكم. (قالُوا حَرِّقُوهُ) بالنار (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (٦٨).
قالوا : فجمعوا الحطب زمانا ، حتّى إنّ الشيخ الكبير الفاني الذي لم يخرج من بيته قبل ذلك زمانا كان يجيء بالحطب فيلقيه ، يتقرّب به إلى آلهتهم ، فيما يزعم. ثمّ جاءوا بإبراهيم فألقوه في تلك النار. فبلغنا أنّهم رموا به في المنجنيق ، فكان ذلك أوّل ما وضع المنجنيق.
فقال الله عزوجل : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً) : فكادت أن تقتله من البرد. فقال عزوجل : (وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (٦٩) : أي لا تضرّ. وذكر بعضهم قال : ما انتفع بها يومئذ أحد من الناس شرقا ولا غربا ، ولا أحرقت منه يومئذ إلّا وثاقه. وبلغنا في حديث آخر أنّه لم يطبخ بالنار يومئذ في الأرض كلّها. قال بعضهم : وذكر لنا أنّه لم يبق في الأرض دابّة إلّا كانت تطفئ عن إبراهيم النار ، إلّا الوزغة فإنّها كانت تنفخ عليه ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتلها (٣).
قال الله عزوجل : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) : أي بحرقهم إيّاه (فَجَعَلْناهُمُ
__________________
ـ خلاف ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّ إبراهيم لم يكذب إلّا ثلاث كذبات كلّها في الله». وعدّدها الطبريّ فقال : «وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرّع قومه به ، ويحتجّ به عليهم ، ويعرّفهم موضع خطئهم ، وسوء نظرهم لأنفسهم ، كما قال مؤذّن يوسف لإخوته : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [يوسف : ٧٠] ولم يكونوا سرقوا شيئا». انظر تفسير الطبريّ ، ج ١٧ ص ٤١.
(١) في ب وع : «حيارى» وأثبتّ ما جاء في سع ورقة ٣٤ ظ ، وفي ز ورقة ٢١٦ : «خزايا» فهو أنسب وأبلغ.
(٢) كذا في المخطوطات وفي سع : «خزية سوء». وفي تفسير الطبريّ ، ج ١٧ ص ٤٢ : «حيرة سوء». وقد سقطت من كلّ المخطوطات الآية ٦٤ من هذه السورة ، وهي قوله عزوجل : (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ).
(٣) روى ابن سلّام هذا الخبر بسند يرفعه إلى النبيّ عليهالسلام من طريق عائشة رضي الله عنها.