اليبس ، وهي في قراءة عبد الله بن مسعود : (وقد بلغت من الكبر عتيّا) (١). قال بعضهم : يبس جلدي على عظمي. وقال بعضهم : (عتيّا) ، أي غاية ومنتهى. (قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) : الله يقوله. وهو كلام موصول ؛ أخبره الملك عن الله أنّي أعطيك هذا الولد. (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (٩).
(قالَ) : زكرياء (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) (١٠) : أي صحيحا. أي لا يمنعك من الكلام مرض.
قال بعضهم : إنّما عوقب لأنّه سأل الآية بعدما شافهته الملائكة مشافهة ، فبشّرته بيحيى عليهالسلام ، فأخذ عليه لسانه ، فجعل لا يفيض الكلام ، أي لا يبين الكلام إلّا ما أومأ إيماء ، وهو قوله تعالى : (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) [آل عمران : ٤١].
قوله : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) : قال الحسن : من المسجد (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) : أي أومأ إليهم. وقال مجاهد : أشار إليهم (أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (١١) : قال الحسن : أي صلّو الله بالغداة والعشيّ.
قوله : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) : أي بجدّ. (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (١٢) : أي الفهم والعقل. وبلغنا أنّه كان في صغره يقول له الصبيان : يا يحيى تعال نلعب ؛ فيقول : ليس للّعب خلقنا.
قوله : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) : قال مجاهد : تعطّفا عليه من ربّه. وقال الحسن وقتادة : الحنان الرحمة ، وهو واحد. قوله : (وَزَكاةً). وقال الحسن : زكاة لمن قبل عنه حتّى يكونوا أزكياء. وقال الكلبيّ : الزكاة الصدقة. قوله : (وَكانَ تَقِيًّا) (١٣) : ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما من آدميّ إلّا قد عمل خطيئة أو همّ بها غير يحيى بن زكرياء (٢).
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ١٦٢ : «وقرأ ابن عبّاس (عسيّا) وأنت قائل للشيخ إذا كبر : قد عثا وعسا ، كما يقال للعود إذا يبس».
(٢) أخرجه ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ٦ ص ٣٧٧ (ط. دار المعارف) ، وبزيادة ننزّه مقام الأنبياء عنها. ورواه مرّة أخرى في ج ١٦ ص ٥٨ بدون زيادة ، كما أخرجه ابن أبي حاتم ، كلاهما يرويه من طريق سعيد بن المسيّب عن ابن العاص مرفوعا وموقوفا. وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٤ ص ٣٥.