غنم القوم وقعت في زرع ليلا ، فرفع ذلك إلى داود فقضى بالغنم لصاحب الزرع. فقال سليمان : [ليس كذلك ولكن] (١) له نسلها ورسلها (٢) وعوارضها (٣) وجزازها ، ويزرع له مثل ذلك الزرع ، حتّى إذا كان من العام القابل كهيئته يوم أكل دفعت الغنم إلى صاحبها وقبض صاحب الزرع زرعه ، فقال الله عزوجل : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ). وتفسير الكلبيّ أنّ أصحاب الحرث استعدوا (٤) على أصحاب الغنم ، فنظر داود ثمن الحرث فإذا هو قريب من ثمن الغنم ، فقضى بالغنم لأهل الحرث. فمرّوا بسليمان فقال : كيف قضى بينكم نبيّ الله؟ فأخبروه. فقال : نعم ما قضى ، وغيره كان أرفق بالفريقين كليهما. فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه. فأرسل إلى سليمان فدخل عليه ، فعزم عليه داود بحقّ النبوّة وبحقّ الملك وبحقّ الوالد لما حدّثتني كيف رأيت فيما قضيت؟. قال سليمان : قد عدل النبيّ وأحسن ، وغيره كان أرفق. قال : ما هو؟ قال : تدفع الغنم إلى أهل الحرث فينتفعون بسمنها ولبنها وأصوافها وأولادها عامهم ، وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث مثل الذي أفسدت غنمهم. فإذا كان مثله يوم أفسد قبضوا غنمهم. فقال له داود : نعم ما قضيته. قال الكلبيّ : وكان الحرث عنبا.
وقال مجاهد : إنّ داود أعطى أصحاب الحرث الغنم بأكلها الحرث ، وحكم سليمان بجزّ الغنم وألبانها لأهل الحرث. وعلى أهل الحرث رعيتها ، ويحرث لهم أهل الغنم حتّى يكون كهيئته يوم أكل ، ثمّ يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم.
قوله تعالى : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (٧٨) : يعني داود وسليمان ، أي لقضائهم شاهدين ، (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) : أي عدل القضيّة.
وكان هذا القضاء يومئذ. وقد تكون لأمّة شريعة ، ولأمّة أخرى شريعة أخرى ، وقضاء غير قضاء الأمّة الأخرى.
__________________
(١) زيادة من سع ورقة ٣٥ و.
(٢) الرّسل : اللبن ، يقال : «أرسل القوم : إذا كان لهم اللبن من مواشيهم».
(٣) العوارض ، كذا ورد هذا الجمع على وزن فواعل في المخطوطات ، وفي تفسير ابن سلّام سع ، ولم يرد في كتب اللغة إلّا بجمع عرضان وعرضان ، جمع عريض ، قيل : هو الذي أتى عليه من المعز سنة. انظر : اللسان : (عرض).
(٤) أي استنصروا القاضي واستعانوه لينصفهم من أصحاب الغنم.