وقد ذكروا عن سعيد بن المسيّب أنّ ناقة البراء بن عازب وقعت في حائط رجل من الأنصار فأفسدت فيه ، فرفع ذلك إلى النبيّ عليهالسلام فقال : ما أجد لكم إلّا قضاء سليمان بن داود (١). وقضى بحفظ أهل المواشي على أهلها بالليل ، وقضى على أهل الحوائط بحفظ حوائطهم بالنهار.
قال بعضهم : فإنّما يكون في هذا الحديث أن يضمن ما كان من الماشية بالليل ، وليس فيه كيف القضاء في ذلك. وإنّما القضاء في ذلك الفساد ما بلغ الفساد من النقصان.
ذكروا عن شريح قال في شاة دخلت بيت حائك نهارا فأفسدت عمله فاختصما إليه فقال : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) والنفش لا يكون إلّا بالليل ، [إن كان ليلا ضمن وإن كان نهارا لم يضمن] (٢) ، ولم يجعل فيه شيئا.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : الدابّة العجماء جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الرّكاز الخمس (٣). قال بعضهم : وهذا عندنا في حديث النبيّ عليهالسلام في ناقة البراء بن عازب أنّه بالنهار ، وأمّا إن أفسدت بالليل فصاحبها ضامن ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَكُلًّا آتَيْنا) : أي أعطينا (حُكْماً وَعِلْماً) : أي فهما وعقلا ، يعني داود وسليمان.
قال تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) : كانت جميع الجبال وجميع الطير تسبّح مع داود بالغداة والعشيّ ، أي : يصلّين ، ويفقه ذلك داود (٤). قوله تعالى : (وَكُنَّا
__________________
(١) هذا حديث رواه أغلب الرواة مرسلا ، ورفعه قلّة منهم ، إلّا أنّه على إرساله حديث مشهور ، حدّث به الثقات وجرى العمل به في المدينة. انظر تفصيل هذا في تفسير القرطبيّ ، ج ١١ ص ٣١٤. وانظر في كتاب الجامع للشيخ أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن بركة البهلويّ ، ج ٢ ص ٤٤٣ ، ٤٤٥ ، مسألة في مضارّ الدوابّ.
(٢) زيادة من سع ورقة ٣٥ و.
(٣) حديث صحيح أخرجه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجه. أخرجه البخاريّ في كتاب الزكاة ، باب في الركاز الخمس. وأخرجه مسلم في كتاب الحدود ، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار ، عن أبي هريرة (رقم ١٧١٠) ، وأوّله : «العجماء جرحها جبار ، والبئر جبار ...». وانظر أبو عبيد القاسم بن سلّام ، كتاب الأموال ، ص ٤٢٠.
(٤) كذا في ب وع ، وفي سع : «ويفقه تسبيحها».