فجاء جبريل إليها في ذلك الموضع. فلمّا رأته (قالَتْ) له : (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) (١٨) : أي إن كنت لله تقيّا فاجتنبني. (قالَ) : يعني جبريل قال : (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) (١٩) : أي صالحا.
(قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) : أي من أين يكون لي غلام؟. وقال بعضهم : كيف يكون لي غلام؟ (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (٢٠) : أي ولم أك زانية. (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) : أن أخلقه (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا) : أي لمن قبل دينه. قال : (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) (٢١) : أي كائنا. [قال بعضهم : يعني كان عيسى أمرا من الله مكتوبا في اللوح المحفوظ أنّه يكون] (١). فأخذ جبريل جيبها بأصبعه فنفخ فيه فسار (٢) إلى بطنها فحملت.
قال تعالى : (فَحَمَلَتْهُ) قال الحسن : تسعة أشهر في بطنها. وقال بعضهم في قوله : (فاتّخذت من دونهم حجابا) أي : سترة من الأرض بينها وبينهم. (فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا) (٢٢) : أي منتحّيّا. أي : انفردت به مكانا شاسعا منتحيّا.
(فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) : قال مجاهد : فألجأها المخاض (٣) (إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا) : قال الحسن : ممّا خشيت من الفضيحة. (وَكُنْتُ نَسْياً) : لا أذكر (مَنْسِيًّا) (٢٣) : أي لم أذكر.
وقال بعضهم : شيئا لا يعرف ولا يذكر. وذكر بعضهم فقال : حيضة نسيتها. وقال بعضهم : المرأة النسوء (٤). وقال الكلبيّ : (نسيا مّنسيّا) قال القوم ينزلون المنزل ثمّ يرحلون فينسون الشيء ،
__________________
(١) زيادة من سع ورقة ٢٢ و ، ومن ز ورقة ٢٠٢.
(٢) كذا في ب وع : «فسار» ، وفي سع وز : «فصار».
(٣) كذا في ب وفي تفسير مجاهد ص ٣٨٥. وأصحّ منه اشتقاقا وأدقّ تفسيرا ما أورده الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ١٦٤ قال : (فأجآءها المخاض) من جئت ، كما تقول : فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة. فلمّا ألقيت الباء جعلت في الفعل ألفا ؛ كما تقول : آتيتك زيدا ، تريد : أتيتك بزيد. ومثله (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) [الكهف : ٩٦] فلمّا ألقيت الباء زدت ألفا ، وإنّما هو ائتوني بزبر الحديد». وقد نقل الطبريّ في تفسيره ج ١٦ ص ٦٣ هذا الشرح اللغويّ ، وذكر نفس الأمثلة والشواهد ، ولكنّه لم ينسب الشرح إلى صاحبه.
(٤) في سع ورقة ٢٢ و : «قال حمّاد : النسوء التي يظنّ بها حمل فلا يكون كذلك». وأصل الكلمة من نسأ ، لا من نسي.