بالضّمّ (مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) جمع إنسىّ أو انسان ، وأصله أناسين ، قلبت النّون ياء ، وهم : المتعيشون بالحيا (١) كأهل البوادي ، ولذا نكّرهم والأنعام.
وتخصيصهم لأنّ أهل القرى وأشباههم منيخون بقرب المنابع والأنهار ، فهم وأنعامهم (٢) في غنى عن سقي السّماء وباقي الحيوانات تبعد في طلب الماء فلا يعوزها (٣) الشّرب ، ولأنّ الأنعام قنية (٤) الاناسي وعامّة منافعهم متعلّقة بها ، فسقيها إنعام عليهم ، ومن ثمّ قدّم على سقيهم كتقديم احياء الأرض عليهما لأنّه سبب لحياتهما.
[٥٠] ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ) أي المطر (بَيْنَهُمْ) بين الناس في البلدان والأوقات والصّفات من وابل وطلّ (٥) وغيرهما أو صرّفنا ما ذكر من الدّلائل في القرآن وسائر الكتب (لِيَذَّكَّرُوا) ليتفكّروا ويعرفوا سعة القدرة وحقّ النّعمة به ويشكروا ، وخفّفه «حمزة» و «الكسائي» من ذكر بمعنى تذكر (٦) (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) جحودا للنّعمة ، فيقولون : أمطرنا بنوء (٧) كذا ، ويرون استقلال الأنواء بالمطر بخلاف من يراها وسائط وامارات بجعله تعالى.
[٥١] ـ (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) نبيّا يخوّف أهلها ، فتخفّف عليك أعباء الرّسالة لكن خصّصناك بعموم الدّعوة إجلالا لك وتعظيما لأجرك ، فقابل ذلك بالتّشدّد في الدّين.
__________________
(١) الحيا : المطر.
(٢) في «ج» : اغنامهم.
(٣) اي لا تحتاج او لا يلزمها.
(٤) القنية : النعمة او الرزق.
(٥) الوابل : المطر الشديد ـ والطّل : المطر الخفيف.
(٦) حجة القراآت : ٥١١.
(٧) النوء : النجم ، كان اهل الجاهلية يرون انه إذا غرب نجم منها وطلع آخر فإنه يوجب نزول المطر.