كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦) وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧))
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ) إلى قوله (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) روي أنّ أنبياء بني إسرائيل كانت معجزتهم أن يأتوا بقربان فيدعوا الله فتأتي نار من السماء تأكله. وتأويله : أن يأتوا بنفوسهم يتقرّبون بها إلى الله ويدعون الله بالزهد والعبادة ، فتأتي نار العشق من سماء الروح تأكله وتفنيه في الوحدة ، فبعد ذلك صحت نبوّتهم وظهرت فسمع به عوام بني إسرائيل فاعتقدوا ظاهره ، وإن كان ممكنا من عالم القدرة فاقترحوا على كل نبي تلك الآية كما توهموا من إقراض الله الذي هو بذل المال في سبيل الله بالإنفاق لاستيفاء الثواب وبذل الأفعال والصفات بالمحو في السلوك لاستبدال صفات الحق وأفعاله وتحصيل مقام الإبدال ، فقر الحق وغناهم ، أو كابروا الأنبياء في الموضعين بعد ما فهموا.
[١٨٨] (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨))
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) أي : يعجبوا بما فعلوا من طاعة وإيثار ، وكلّ حسنة من الحسنات ، ويحجبون برؤيته (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا) أي : يحمدهم الناس ، فهم محجوبون بعرض الحمد والثناء من الناس ، أو أن يكونوا محمودين في نفس الأمر عند الله (بِما لَمْ يَفْعَلُوا) بل فعله الله على أيديهم إذ لا فعل إلا لله ، (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) (١) فائزين من عذاب الحرمان (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) لمكان استعدادهم واحتجابهم عما فيه ، وكان من حقهم أن ينسبوا الفضيلة والفعل الجميل إلى الله ويتبرّءوا عن حولهم وقوّتهم إليه ولا يحتجبوا برؤية الفعل من أنفسهم ، ولا يتوقعوا به المدح والثناء.
[١٨٩ ـ ١٩٠] (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠))
__________________
(١) سورة الصافات ، الآية : ٩٦.