الثَّوابِ (١٩٥) لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩))
(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ) القلب من الأعمال القلبية كالإخلاص واليقين والكشف (أَوْ أُنْثى) النفس من الأعمال القالبية ، كالطاعات والمجاهدات والرياضات (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) يجمعكم أصل واحد وحقيقة واحدة هي الروح الإنسانية ، أي : بعضكم منشأ من بعض ، فلا أثيب بعضكم وأحرم بعضا (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) عن أوطان مألوفات النفس (وَأُخْرِجُوا مِنْ) ديار صفاتها أو هاجروا من أحوالهم التي التذّوا بها ، وأخرجوا من مقاماتهم التي يسكنون إليها (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) أي : ابتلوا في سبيل سلوك أفعالي بالبلايا والمحن والشدائد والفتن ليتمرّنوا بالصبر ، ويفوزوا بالتوكل في سبيل سلوك صفاتي بسطوات تجلّيات الجلال والعظمة والكبرياء ليصلوا إلى الرضا (وَقاتَلُوا) البقية بالجهاد فيّ (وَقُتِلُوا) وأفنوا في بالكلية (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) كلها من الصغائر والكبائر ، أي : سيئات بقاياهم (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ) الجنات الثلاثة المذكورة (ثَواباً) أي : عوضا لما أخذت منهم من الوجودات الثلاثة (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) أي : لا يكون عند غيره الثواب المطلق الذي لا يبقى منه شيء ، ولهذا قال : والله ، لأنه الاسم الجامع لجميع الصفات ، فلم يحسن أن يقول : والرحمن ، في هذا الموضع أو اسم آخر غير اسم الذات (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : حجبوا عن التوحيد الذي هو دين الحق في المقامات والأحوال.
(مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي : هو يعني الاحتجاب بالمقامات والتقلّب فيها تمتع قليل (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) الحرمان (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) من المؤمنين ، أي : تجرّدوا عن الوجودات الثلاثة ، لهم الجنات الثلاث ، (نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) معدّا (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أي : المحجوبين عن التوحيد ، والمذكورين بصفة التقلّب في الأحوال والمقامات (لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) أي : يتحقق بالتوحيد الذاتي (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من علم التوحيد والاستقامة (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من علم المبدأ والمعاد (خاشِعِينَ لِلَّهِ) قابلين لتجلي الذات (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ) التي هي تجليات صفاته ثمن البقية الموصوف بالقلّة (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) من الجنان المذكورة (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسبهم ويجازيهم فيعاقب على بقايا من بقي منهم شيء ، أو يثيب بنفي البقايا على حسب درجاتهم في المواطن الثلاثة.