وإذا سافرتم في أرض الاستعداد بالطريق العلميّ لطلب اليقين (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا) أي : تنقصوا من الأعمال البدنية وأداء حقوق العبودية من الشكر والحضور ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «من أوتي حظه من اليقين فلا يبالي بما انتقص من صلاته وصومه».
(إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ) أي : يغويكم ويضلكم (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : حجبوا من قوى الوهم والتخيل وشياطين الإنس الضالين المضلين لما علم من قوله صلىاللهعليهوسلم : «لفقيه واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد».
[١٠٥ ـ ١٠٨] (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨))
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي : علم تفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها بالحق ملتبسا بالعدل والصدق أو قائما بالحق لا بنفسك لتكون حاكما بين الخلق (بِما أَراكَ اللهُ) من عدله (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) الذين لا يؤدّون أمانة الله التي أودعها عندهم في الأزل بما ركز في استعدادهم من إمكان كمال معرفته وخانوا أنفسهم وغيرهم بنهب حقوقهم وصرفها في غير وجهها (خَصِيماً) يدفع عنهم العذاب وتسليط الله الخلق عليهم بالإيذاء ويحج عنهم على غيرهم أو على الله بالاعتراض بأنه لم خذلهم وقهرهم فإنهم الظالمون لا حجة لهم بل الحجة عليهم (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) لنفسك بترك الاعتراض والاحتجاج عنهم لنغفر تلوينك الذي ظهر عليك بوجود قلبك وبصفاته (وَلا تُجادِلْ) ظهر تأويله من هذا (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم التي هي معايبهم عنهم (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) بإزالتها وقلعها وهو شاهدهم يعلم بواطنهم (إِذْ يُبَيِّتُونَ) أي : يقدّرون في عالم ظلمة النفس والطبيعة (ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) من الوهميات والتخيلات الفاسدة التي يلفقونها في تحصيل أغراضهم من حطام الدنيا ولذاتها (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) يجازيهم بحسب صفاتهم وأعمالهم.
[١٠٩ ـ ١١١] (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١))
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ظاهر مما مرّ (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) بظهور صفة من صفات نفسه (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) بنقص شيء من كمالاته التي هي مقتضى استعداده بتقصير فيه وارتكاب عمل