(وَالْوِلْدانِ) أي : الناقصين القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لغيرة تلحقهم من قبل صفات النفس (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) لعدم قدرتهم وعجزهم عن كسر صفات النفس وقمع الهوى بالرياضة (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) لعدم علمهم بكيفية السلوك وحرمانهم عن نور الهداية الشرعية (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) بمحو تلك الهيئات المظلمة لعدم رسوخها وسلامة عقائدهم (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا) العفو عن الذنوب ما دامت الفطرة لم تتغير (غَفُوراً) يستر بنور صفاته صفات نفوسهم.
[١٠٠] (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠))
(وَمَنْ يُهاجِرْ) أي مقارّ النفس المألوفة في سبيل طريق الحق بالعزيمة (يَجِدْ) في أرض استعداده مهاجر ومساكن ومنازل كثيرة فيها رغم أنوف قوى نفسه الوهمية والخيالية والبهيمية والسبعية وإذلالها (وَسَعَةً) وانشراحا في الصدر عند الخلاص من ضيق صفات النفس وأسر الهوى (وَمَنْ يَخْرُجْ) من المقام الذي هو فيه سواء كان مقرّ استعداده الذي جبل عليه أو منزلا من منازل النفس أو مقاما من مقامات القلب (مُهاجِراً إِلَى اللهِ) بالتوجه إلى توحيد الذات (وَرَسُولِهِ) بالتوجه إلى طلب الاستقامة في توحيد الصفات (ثُمَّ يُدْرِكْهُ) الانقطاع قبل الوصول (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) بحسب ما توجه إليه ، فإن المتوجه إلى السلوك له أجر المنزل الذي وصل إليه ، أي : المرتبة من الكمال الذي حصل له إن كان ، وأجر المقام الذي وقع نظره عليه وقصده. فإنّ ذلك الكمال وإن لم يحصل له بحسب الملك والقدم لكنه اشتاق إليه بحسب القصد والنظر ، فعسى أن يؤيده التوفيق بعد ارتفاع الحجب بالوصول إليه (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) يغفر له ما يمنعه عن قصده من الموانع (رَحِيماً) يرحمه ، بأن يهب له الكمال الذي توجه إليه ووقع نظره عليه.
[١٠١ ـ ١٠٤] (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣) وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤))