وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠))
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ) بتجليات صفات اللطف (وَمُنْذِرِينَ) بتجليات صفات القهر (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) ظهور وسلطنة بوجود صفة ما بعد رفعها ومحوها بإمداد الرسل (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) قويا يقهرهم بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم (حَكِيماً) لا يفعل ذلك إلا بحكمة اتصافهم بصفاته أو بقائهم بذاته. (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) لكونك في مقام الجمع وهم محجوبون لا يقرّون به بل هو يشهد (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) ملتبسا بعلمه ، أي : في حالة كونه عالما به بحيث أنه علمه الخاص لا علمك ولا علم غيرك من غيره.
(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) لكونك مراعيا للتفصيل في غير الجمع فهو الشاهد بذاته وبأسمائه وصفاته (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي : الذات مع الصفات تكفي في الشهادة إذ لا موجود غيره (كَفَرُوا) حجبوا عن الحق لكون ضلالهم (بَعِيداً* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) حجبوا عن الدين (وَظَلَمُوا) منعوا استعداداتهم عن حقوقها من الكمال بارتكاب الرذائل وتسليط صفات النفس على قلوبهم (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لرسوخ هيئات الرذائل فيهم وبطلان الاستعداد (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) لجهلهم المركب واعتقادهم الفاسد وعدم علمهم بطريق ما من طرق الكمال (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) نيران أشواق نفوسهم إلى ملاذها مع حرمانهم عنها (وَكانَ ذلِكَ) سهلا على الله لانجذابهم إليها بالطبيعة.
[١٧١] (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١))
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) أما اليهود فبالتعمق في الظاهر ونفي البواطن وحط عيسى عن درجة النبوّة ومقام الاتصاف بصفات الربوبية. وأما النصارى فبالتعمق في البواطن ونفي الظواهر ورفع عيسى إلى مقام الألوهية (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) بالجمع بين الظواهر والبواطن والجمع والتفصيل كما هو عليه التوحيد المحمديّ ، والقول : بكون عيسى مظهر الصفات الإلهية ، حيا بحياته داعيا إلى مقام توحيد الأوصاف (كَلِمَتُهُ) نفسا مجرّدة هي كلمة من كلمات الله ، أي : حقيقة من حقائقه الروحانية وروحا من أرواح (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ)