خصصوا عبادتكم بالذات الموصوفة بجميع الصفات والأسماء التي هي الوجود المطلق ، ولا تعينوه باسم وصفة ، فإنّ نسبة ربوبيته إلى الكل سواء ومن حصر ألوهيته في صورة وخصصها باسم معين وكلمة معينة وصفة معينة ، فقد أثبت غيره ضرورة وجود ما سواه من الأسماء والصور والصفات. ومن أثبت غيره فقد أشرك به ومن أشرك به (فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ) جنة شهوده بذاته وصفاته وأفعاله أي : الجنة المطلقة الشاملة ، يعني : فقد حجبه مطلقا (وَمَأْواهُ) نار الحرمان لظلمه بالشرك (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) ينصرونهم فينقذونهم من العذاب.
[٧٣ ـ ٨١] (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١))
(لَقَدْ كَفَرَ) حجب (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) واحد من جملة ثلاثة أشياء الفعل الذي هو ظاهر عالم الملك ، والصفة التي هي باطن عالم الملكوت ، والذات التي تقوم بها الصفة ويصدر عنها الفعل ، إذ ليس هو ذلك الواحد الذي توهموه بل الفعل والصفة في الحقيقة عين الذات ، ولا فرق إلا بالاعتبار ، وما الله إلّا الواحد المطلق ، وإلا لكان بحسب كل اسم من أسمائه إله آخر ، فتتعدّد الآلهة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرا (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ) من كون الصفة والفعل غير الذات (لَيَمَسَّنَ) المحجوبين (عَذابٌ) مؤلم لقصورهم في العرفان مع كونهم مستعدّين (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ) بالرجوع عن إثبات التعدّد في الله إلى عين الجمع المطلق ، ويستغفرونه عن ذنب رؤية وجودهم ووجود غيرهم (وَاللهُ غَفُورٌ) يسترهم بذاته (رَحِيمٌ) يرحمهم بكمال العرفان والتوحيد (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) إذ لا فعل له فيضرّ أو ينفع ، بل لا وجود فضلا عن الفعل. وقال : ما لا