باطن ظاهر ، فأيّ حرج من ظهور بعض صفاته على مظهر بشري بل لا مظهر لكمال علمه الباطن وحكمته إلا الإنسان الكامل. فالنبي من حيث الصورة ظاهره ، ومن حيث المعنى باطنه ينزل علمه على قلبه ويظهر على لسانه ويدعو به عباده إلى ذاته ولا اثنينية إلا باعتبار تفاصيل صفاته. وأما باعتبار الجمع فلا أحد موجود إلا هو لا النبيّ ولا غيره ، فإذا اعتبر تفاصيل صفاته وأسمائه يظهر النبي تبعية الخاص في ذاته تعالى ببعض صفاته فيصير اسما من أسمائه ، وإذا كان كاملا في نبوّته يكون الأعظم الذي لا تنفتح أبواب خزائن غيبه ووجوده وحكمته إلا به كما سمعت. فلا تنكر إن عجبت وحرمت من فهمه وبهت ، فعسى أن يفتح الله عين بصيرتك فترى ما لا عين رأت أو سمع قلبك ، فتسمع ما لا أذن سمعت أو ينوّر قلبك فتدرك ما لا خطر على قلب بشر.
[٩٣] (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣))
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بادّعاء الكمال والوصول إلى التوحيد والخلاص عن كثرة صفات النفس وازدحامها مع بقائها فيه فيكون في أقواله وأفعاله بالنفس وهو يدعي أنه بالله (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) أي : حسب مفتريات وهمه وخياله ومخترعات عقله وفكره وحيا من عند الله وفيضا من الروح القدسي فتنبأ (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) أي : تفرعن بوجود أنائيته وتوهم التوحيد العلمي عينيا ، فادعى الإلهية (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ) أي : هؤلاء الظلمة من المدّعين للكمال المحجوبين الذين يزعمون كون أفعالهم إلهية وهي نفسانية والمتنبئين والمتفرعنين (فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) أي : شدائده وسكراته لافتقادهم في دعواهم وغلطهم في حسبانهم أنهم قد فنوا عن أنفسهم وتجرّدوا عن ملابس أبدانهم مع شدّة تعلقهم بها وقوّة محبة الدنيا ورسوخ الهوى فيهم لأنهم ما ماتوا بالموت الإرادي والتجرّد عن الشهوات واللذات البدنية ، وما فنوا عن صفات نفوسهم ودواعيها حتى يسهل عليهم الموت الطبيعي (وَالْمَلائِكَةُ) أي : قوى العالم التي كانت تمدّ قواهم النفسانية من النفوس الكوكبية والفلكية وتأثيراتها التي كانت تستولي عليهم في حياتهم مع ظنهم أنهم تخلصوا منها بالتجرّد كما أشرنا إليه (باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) قوية التأثير فيهم ، بالغة فيه كنه قواها وقدرها (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) أي : تعنفهم وتقهرهم لشدّة تعكفهم وكثرة تحسرهم وصعوبة مفارقة الأبدان عليهم (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) والصغار بوجود صفات نفوسكم وهيآتها