المحض (بَنِينَ) من العقول (وَبَناتٍ) من النفوس يعتقدون أنها مؤثرات ومجرّدات مثله تولّدت منه (بِغَيْرِ عِلْمٍ) منهم أنها أسماؤه وصفاته لا تؤثر إلا به (سُبْحانَهُ وَتَعالى) تنزّه عن أن يكون وجودا مجردا مخصوصا بتعين خاص واحدا من الموجودات المتعينة يصدر عنه وجودات العقول المجرّدة والنفوس وتعاظم (عَمَّا يَصِفُونَ) به علوّا كبيرا.
[١٠١ ـ ١٠٢] (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢))
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : عديم النظير والمثل في سموات عالم الأرواح وأرض عالم الأجساد (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) أي : كيف يماثله شيء (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) لأن الصاحبة لا تكون إلا مجانسة وهو لا يجانس شيئا ، وإذا لم يجانس شيئا لم يماثله فلم يكن له مثل يتولد منه (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) بتخصيصه يتعين في ذاته وإيجاده بوجوده لا بأنه موجود مثله (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يحيط علمه بالعقول والنفوس وغيرها كما يحيط وجوده بها وهي محاطة لا تحيط بعلمه ولا تعلم إلا بعلمه ولا توجد إلا بوجوده فلا تماثله لأنها بأنفسها معدومة ، وأنى يماثل المعدوم الموجود المطلق (ذلِكُمُ) البديع العديم المثل الموصوف بجميع هذه الصفات (اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ) في الوجود (إِلَّا هُوَ) أي : لا موجود إلا هو باعتبار الجمع (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) باعتبار تفاصيل صفاته فخصوا العبادة به ، أي : بالوجود الموصوف بجميع الصفات الذي هو الله دون من سواه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي : لا يستحق العبادة إلا المبدئ لكل شيء وهو مع ذلك وكيل على الكل يحفظها ويدبرها ويوصل إليها الأرزاق وما تحتاج إليه حتى تبلغ الكمال اللاحق بها.
[١٠٣ ـ ١٠٨] (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧) وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨))
(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) أي : لا تحيط به لأنه اللطيف الجليل عن إدراكها ، وكيف تدركه وهي لا تدرك أنفسها التي هي نور منه؟! (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) لإحاطته بكل شيء ولطف إدراكه (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : آيات بيّنات هي صور تجليات صفاته التي هي أنوار