وأصر عليها جوزي في مقام النفس بالمثل. والحسنة والسيئة المذكورتان هاهنا من قبيل الأعمال وإلا فربّ سيئة من شخص تعادل حسنة من غيره ، كما قال عليهالسلام : «حسنات الأبرار سيئات المقرّبين» ، بوجود القلب عند الشهود ، وسيئات الأبرار بظهور النفس عند السلوك ، وحسناتهم بظهور القلب ، وربّ سيئة توجب حجاب الأبد كاعتقاد الشرك مثلا.
[١٦١] (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١))
(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إلى طريق التوحيد الذاتي (دِيناً قِيَماً) ثابتا أبدا لا تغيره الملل والنحل ولا تنسخه الشرائع والكتب (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) التي أعرض بها عن كل ما سواه بالترقي عن جميع المراتب مائلا عن كل دين وطريق باطل فيه شرك ما ، ولو بصفة من صفات الله تعالى.
[١٦٢ ـ ١٦٣] (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣))
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي) أي : حضوري بالقلب وشهودي بالروح (وَنُسُكِي) أي : تقرّبي أو كل ما أتقرّب به بالقلب (وَمَحْيايَ) بالحق (وَمَماتِي) بالنفس كلها (لِلَّهِ) لا نصيب لي ولا لأحد غيري فيها لأني قمت به له بالفناء فلا وجود لي ولا لغيري حتى يكون لي حظ ونصيب (رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : له باعتبار الجمع في صورة تفاصيل الربوبية (لا شَرِيكَ لَهُ) في ذلك جمعا وتفصيلا (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) أي : أمرت أن لا أرى غيره في عين الجمع ولا في صورة التفاصيل حتى أعمل له كما وصفني تعالى بقوله : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧)) (١) فهو الآمر والمأمور ، والرائي والمرئي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) المنقادين للفناء فيه بإسلام وجهي له باعتبار الرتبة في تفاصيل الذات وإلا فلا أول ولا آخر ولا مسلم ولا كافر.
[١٦٤] (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤))
(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ) الذي هذا شأنه (أَبْغِي رَبًّا) فأطلب مستحيلا أو غير الذات الشامل لجميع الصفات الذي هو الكل من حيث هو كل أبغي متعبنا فيكون مربوبا لا ربّا (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) وما سواه باعتبار تفاصيل صفاته مربوب (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) شيئا (إِلَّا) هو وبال (عَلَيْها) إذ كسب النفس شرك في أفعاله تعالى ، وكل من أشرك فوباله عليه باحتجابه
__________________
(١) سورة النجم ، الآية : ١٧.