[١٥٩ ـ ١٦٠] (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠))
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) أي : جعلوا دينهم أهواء متفرّقة ، كالذين غلبت عليهم صفات النفس بجذبهم هذه إلى شيء وهذه إلى شيء فحدثت فيهم أهواء مختلفة ، فبقوا حيارى لا جهة لهم ولا مقصد (وَكانُوا شِيَعاً) فرقا مختلفة بحسب غلبة تلك الأهواء يغلب على بعضهم الغضب وعلى بعضهم الشهوة وإن دانوا بدين جعلوا دينهم بحسب غلبة هواهم مادة التعصب ومدد استيلاء تلك القوة الغالبة على القلب ولم يتعبدوا إلا بعادات وبدع ، ولم ينقادوا إلا لأهواء وخدع ، يعبد كل منهم إلها مجعولا في وهمه ، مخيّلا في خياله ويجعله سبب الاستطالة والتفرّق على الآخر كما نشاهد من أهل المذاهب الظاهرة (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي : لست من هدايتهم ودعوتهم إلى التوحيد في شيء إذ هم أهل التفرقة والاحتجاب بالكثرة لا يجتمع همهم ولا يتحد قصدهم. (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) في جزاء تفرّقهم لا إليك (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ) عند ظهور هيآت نفوسهم المختلفة والأهواء المتفرّقة عليهم بمفارقة الأبدان (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) من السيئات.
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) هذا أقلّ درجات الثواب وذلك أنّ الحسنة تصدر بظهور القلب ، والسيئة بظهور النفس ، فأقلّ درجات ثوابها أنه يصل إلى مقام القلب الذي يتلو مقام النفس في الارتقاء تلو مرتبة العشرات للآحاد في الأعداد. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) لأنه لا مقام أدون من مقام النفس ، فينحط إليه بالضرورة فيرى جزاءه في مقام النفس بالمثل. ومن هذا يعلم أن الثواب من باب الفضل فإنه يزيد به صاحبه ويتنوّر استعداده ويزداد قبوله لفيض الحق فيتقوّى على إضعاف ما فعل ويكتسب به أجورا متضاعفة إلى غير نهاية بازدياد القبول عند فعل كل حسنة ، وزيادة القدرة والشغف على الحسنة عند زيادة الفيض إلى ما لا يعلمه إلا الله ، كما قال بعد ذكر أضعافها إلى سبعمائة : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) (١) وأن العقاب من باب العدل ، إذ العدل يقتضي المساواة ومن فعل بالنفس إذا لم يعف عنه يجازى بالنفس سواء وتذكر ما قيل في قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (٢) فإن الفضيلة للإنسان ذاتية موجبة لترقيه البتة ، والرذيلة عارضة ظلمتها للفطرة ، فمهما لم تكن بقصد ونيّة من صاحبها أو كانت ولم يصرّ عليها ، عفي عنها ولم تحجب صاحبها. وإن كانت
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٦١.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.