كمالاته عليهم بواسطة موسى وكتابه (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) الإيمان العلمي أو العياني.
[١٥٥ ـ ١٥٨] (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨))
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) بزيادة الهداية إلى محض التوحيد والإرشاد إلى سواء السبيل يهدي بأقرب الطرق إلى أرفع الدرجات من الكمال (فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا) كل ما سوى الله حتى ذواتكم وصفاتكم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) رحمة الاستقامة بالله وفي الله بالوجود الموهوب. (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) لقوّة استعداداتنا وصفاء أذهاننا إن صدقتم (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) بيان لكيفية سلوككم (وَهُدىً) إلى مقصدكم (وَرَحْمَةٌ) بتسهيل طريقكم وتيسيرها إلى أشرف الكمالات (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لتوفي روحهم (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) بتجليه في جميع الصفات كما مرّت الإشارة إليه من تحوّل الصورة في القيامة ، فلا يعرفه إلا الموحدون الكاملون. وأما أهل المذاهب والملل المختلفة فلا يعرفونه إلا في صورة معتقدهم (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) تجليه في بعض الصفات التي لم يعرفوه بها (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) بعض تجلياته التي لم يأنسوا بها أو لم يعرفوها (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) فإنّ الناس إما محجوبون مطلقا أو ليسوا كذلك ، وهم إما مؤمنون لعرفانهم ببعض الصفات أو بكلها ، والمؤمنون به العارفون إياه بكلها إما محبون للذات وإما محبون للصفات ، فإذا تجلى الحق ببعض الصفات لا ينفع إيمان المحجوبين مطلقا ، وإيمان المؤمنين الذين لم يعرفوه بهذه الصفة من قبل هذا التجلي ، إذ الإيمان إنما ينفع إذا صار عقيدة ثابتة راسخة يتمثل بها القلب وتتنوّر بها النفس وتشاهد بها الروح ، لا الذي يقع عند الاضطرار دفعة (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) كإيمان العارفين ، المحبّين للصفات ، فإنهم وإن آمنوا به وعرفوا بتجليه بكل الصفات. فلما لم يكتسبوا المحبة الذاتية ، والكمال المطلق ، وأحبّوه ببعض الصفات ، كالمنعم مثلا أو اللطيف أو الرحيم فإذا تجلى بصفة المنتقم أو القهّار أو المبلي لم ينفعهم الإيمان به ، إذ لم يطيعوه من قبل بهذا الوصف ولم يتمرّنوا بتجليه ولم يحبّوا الذات فيلتذوا بشهوده في أي صفة كانت.