الغيبي ، أي : لا يضق صدرك منه ليمكنك الإنذار والتذكير ، إذ لو ضاق لبقي في حال الفناء ، لا يرى إلا الحق في الوجود وينظر إلى الحق بنظر العدم المحض فكيف ينذر ويذكر ويأمر وينهي. وعلى تقدير القسم فمعناه بالكل من أوّله إلى آخره ، أو باسم الله الأعظم إذ (ص) حامل العرش والعرش يسع الذات والصفات والمجموع هو الاسم الأعظم ، لهو كتاب أنزل إليك علمه ، أو : لهذا القرآن كتاب أنزل إليك.
[٨ ـ ٢١] (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١))
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) الوزن هو الاعتبار ، أي : اعتبار الأعمال حين قامت القيامة الصغرى. هو الحق ، أي : العدل أو الثابت أو الوزن العدل يومئذ. (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) أي : رجحت موزوناته بأن كانت باقيات صالحات (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بصفات الفطرة ، ونعيم جنة الصفات في مقام القلب (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) موزوناته بأن كانت من المحسوسات الفانية (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ببيعها باللذات العاجلة السريعة الزوال وإفنائها في دار الفناء مع كونها بضاعة البقاء. واعلم أن لسان ميزان الحق هو صفة العدل وإحدى كفّتيه هو عالم الحس ، والكفّة الأخرى هو عالم العقل فمن كانت مكاسبه من المعقولات الباقية والأخلاق الفاضلة والأعمال الخيرية المقرونة بالنيات الصادقة ، ثقلت أي : كانت ذات قدر ووزن ، إذ لا قدر أرجح من البقاء الدائم. ومن كانت مقتنياته من المحسوسات الفانية واللذات الزائلة والشهوات الفاسدة والأخلاق الرديئة والشرور المردية ، خفت أي : لا قدر لها ولا اعتداد بها ، ولا خفة أخفّ من الفناء ، فخسرانهم هو أنهم أضاعوا استعدادهم الأصلي في طلب الحطام الدنيوي وتحصيل المآرب النفسانية بسبب ظهورهم