بصفات أنفسهم وظلمهم بصفات الله تعالى بالتكذيب بها ، أي : بإخفائها بصفات أنفسهم (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) خلقت القوّة الوهمية من ألطف أجزاء الروح الحيوانية التي تحدث في القلب من بخارية الأخلاط ولطافتها وترتقي إلى الدماغ ، وتلك الروح هي أحرّ ما في البدن فلذلك سمّاها نار. والحرارة توجب الصعود والترفّع ، وقد مرّ أن كل قوة ملكوتية تطلع على خواص ما تحتها دون ما فوقها وعلى الكمالات البدنية وخواصها وكمالات الروح الحيوانية وخواصها ، واحتجابها عن الكمالات الإنسانية الروحانية والقلبية هو صورة إنكارها وعلة إبائها واستكبارها ، وتعديها عن طورها بالحكم في المعاني المعقولة والمجرّدات والامتناع عن قبول حكم العقل هو صورة إبائها عن السجود.
(فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) إذ التكبر ، وهو التظاهر بما ليس فيه من الفضيلة من صفات النفس ، فلا يليق بالحضرة الروحانية التي تزعم أنك من أهلها بالترفع على العقل ، فأخرج ، فلست من أهلها الذين هم الأعزة (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) من القوى النفسانية الملازمة للجهة السفلية الدائمة الهوان بملازمة الأبدان (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) من قبور الأبدان وأجداث صفات النفس بعد الموت الإرادي في القيامة الوسطى بحياة القلب وخلاص الفطرة من حجب النشأة ، أو يبعثون بعد الفناء في الوحدة في القيامة الكبرى بالوجود الموهوب الحقاني والحياة الحقيقية ، والمبعوث الأول هو المخلص بكسر اللام ، والثاني هو المخلص بالفتح ولا سبيل لإبليس إلى إغوائهما (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) إقسام وإبليس محجوب عن الذات الأحدية دون الصفات والأفعال ، فشهوده للأفعال وتعظيمه لها إقسام بها كما أقسم بعزّته في قوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (١).
(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ) أي : أعترضن لهم في طريق التوحيد الذاتي وأمنعنّهم عن سلوكها بأن أشغلهم بما سواك ، ولآتينهم من الجهات الأربع التي يأتي منها العدوّ في الشاهد لأن إتيانه من أسفل ، أي : من جهة الأحكام الحسيّة والتدابير الجزئية من باب المصالح الدنيوية غير موجب للضلالة ، بل قد ينتفع به في العلوم الطبيعية والرياضية وبه يستعين العقل فيها كما مرّ في تأويل قوله : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (٢). وإتيانه من فوق غير ممكن له إذ الجهة العلوية هي التي تلي الروح ويرد منها الإلهامات الحقّة والإلقاءات الملكية وتفيض المعارف والحقائق الروحية فبقيت الجهات الأربع مواقع وساوسه. أما من بين يديه فبأن يؤمّنه من مكر الله ويغرّه بأن الله غفور رحيم فلا يخاف فيثبطه عن الطاعات. وأما من
__________________
(١) سورة ص ، الآية : ٨٢.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ٦٦.