خلفه فبأن يخوّفه من الفقر وضيعة الأولاد من خلفه فيحرضه على الجمع والادخار لهم ولنفسه في المستقبل عند تأميله طول العمر. وأما من جهة اليمين ، فبأن يزيّن عليه فضائله ويعجبه بفضله وعلمه وطاعته ويحجبه عن الله برؤية تفضيله. وأما عن شماله فبأن يحمله على المعاصي والمقابح ويدعوه إلى الشهوات واللذات. (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) مستعملين لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم في طريق الطاعة والتقرّب إلى الله.
(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) الطبيعة التي هي أسفل مراتب الوجود (مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) محجوبين عن لذّة النعيم الأبديّ وذوق البقاء السرمدي والكمالات الروحانية والكمالات الحقانية معذبين بنيران الحرمان عن المراد في انقلابات عالم التضاد وتقلبات الكون والفساد (لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) أي : ليظهر عليهما بالميل إلى الطبيعة ما حجب عنهما عند التجرّد من الأمور الطبيعية واللذات البدنية والرذائل الخلقية والأفعال الحيوانية والصفات السبعية والبهيمية التي يستحيي الإنسان من إظهارها ويستهجن إفشاءها وتحمله المروءة على إخفائها لكونها عورات عند العقل يأنف منها ويستقبحها (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) أي : أوهمهما أن في الاتصال بالطبيعة الجسمانية والمادة الهيولانية لذات ملكية وإدراكات وأفعالا وخلودا فيها أو ملكا ورئاسة على القوى وسائر الحيوانات دائما بغير زوال إن قرئ ملكين بكسر اللام كما قال : (أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) (١). وزيّن لها من المصالح الجزئية والزخارف الحسيّة التي لا تنال إلا بالآلات البدنية في صورة الناصح الأمين.
[٢٢ ـ ٢٨] (فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨))
(فَدَلَّاهُما) أي : فنزلهما إلى التعلق بها والسكون إليها بما غرّهما من التزيي بزي
__________________
(١) سورة طه ، الآية : ١٢٠.