الناصحين وإفادة توهم دوام اللذات البدنية والرياسة الإنسية وسوّل لهما من المنافع البدنية والشهوات النفسية (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي : يكتمان الغواشي الطبيعية بالآداب الحسنة والعادات الجميلة التي هي من تفاريع الآراء العقلية ومستنبطات القوّة العاقلة العملية ويخفيانها بالحيل العلمية (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما) صورة النهي هو ما ركز في العقول من الميل إلى التجرّد وإدراك المعقولات والتجافي عن المواد والمحسوسات وقوله لهما : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) ما ألهم العقل من منافاة أحكام الوهم ومضادّة مدركاته والوقوف على مخالفاته ومكابراته إياه ونداؤه إياهما بذلك هو التنبيه على ذلك المعنى على سبيل الخاطر والتذكير له بعد التعلق والانغمار في اللذات الطبيعية عند البلوغ وظهور أنوار العقل والفهم عليهما.
وقولهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) هو لتنبيه النفس الناطقة على نقصانها من جهة الطبيعة وانطفاء نورها وانكسار قوتها وحصول الداعي فيها على طلب الكمال بالتجرّد (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) بإلباسنا الأنوار الروحانية وإفاضتها مشرقة عليها (وَتَرْحَمْنا) بإفاضة المعارف الحقيقية (لَنَكُونَنَّ مِنَ) الذين أتلفوا الاستعداد الأصلي الذي هو مادة السعادة والبقاء بصرفها في دار الفناء ، وحرموا عن الكمال التجرّدي بملازمة النقص الطبيعي (لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) أي : شريعة تستر قبائح أوصافكم وفواحش أفعالكم (وَرِيشاً) أي : جمالا يبعدكم عن شبه الأنعام المهملة ويزينكم بالأخلاق الحسنة والأعمال الجميلة (وَلِباسُ التَّقْوى) أي : صفة الورع والحذر من صفة النفس (ذلِكَ خَيْرٌ) من جملة أركان الشرائع لأنه أصل الدين وأساسه كالحمية في العلاج (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) أي : من أنوار صفاته ، إذ الاجتناب عن صفات النفس لا يحصل ولا يتيسر إلا بظهور تجليات صفات الحق. وإلى هذا أشار القوم بقولهم : إن الله لا يتصرّف في شيء من العبد إلا ويعوّضه أحسن منه من جنسه (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) عند ظهور تجليات لباسكم النوري الأصلي أو جوار الحق الذي كنتم تسكنون فيه بهداية أنوار الصفات (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) عن دخول الجنة وملازمتها بنزع لباس الشريعة والتقوى عنكم (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ) منها بنزع اللباس الفطري النوري.
[٢٩ ـ ٣٠] (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠))
(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) أي : العدالة والاستقامة (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ) ذواتكم الموجودة بمنعها عن الميل والزيغ إلى طرفي الإفراط والتفريط في العدالة ، وعن التلوينات في الاستقامة