مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥) وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨))
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي : ستروا بصفاتهم صفاتنا وبأفعالهم أفعالنا فوقفوا مع الآثار وعموا عن لقاء الآخرة وجنة النفوس والأفعال (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) ولو كان التكذيب بالصفات مجردا عن التكذيب بلقاء الآخرة لما حبطت أعمالهم ، وإن عذبوا حينا بنوع من العذاب (سَبْعِينَ رَجُلاً) من أشرافهم ونجبائهم أهل الاستعداد وصفاء النفس والإرادة والطلب والسلوك وهم المصعوقون في قوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) (١).
(فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي : رجفة جبل البدن التي هي من مبادئ صعقة الفناء عند طيران بوارق الأنوار وظهور طوالع تجليات الصفات من اقشعرار الجسد وتأثره وارتعاده بها ، ولهذا قال موسى عليهالسلام عندها : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ) إذ لا قول لموسى عليهالسلام عند الصعقة ولا لهم لفنائهم عندها ، وقوله عليهالسلام : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ) ، كلمة ضجر وفقدان صبر من غلبة الشوق عند ألم الفراق ، كما قال محمد صلىاللهعليهوسلم في مثل هذه الحالة : «ليت أمي لم تلدني ، وكذا ليت ربّ محمد لم يخلق محمدا» ، وهمّ بإلقاء نفسه عن الجبل. ولو هذه للتمني. (أَتُهْلِكُنا) بطول الحجاب وعذاب الحرمان وألم الفراق (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) من عبادة عجل هوى النفس والاحتجاب بصفاتها أو بما صدر منا حالة السفه قبل التيقظ والاستبصار وإرادة السلوك وظهور نور البصيرة والاعتبار من الوقوف مع النفس وصفائها (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) أي : ما هذا الابتلاء بصفات النفس وعبادة الهوى إلا ابتلاؤك لا مدخل فيها لغيرك (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) من أهل الحجب والشقاوة والجهل والعمى (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) من أهل السعادة والعناية والعلم والهدى ، قالها في مقام تجلي الأفعال. (أَنْتَ) متولي أمورنا القائم بها (فَاغْفِرْ لَنا) ذنوب صفاتنا وذواتنا كما غفرت لنا ذنوب
__________________
(١) سورة الذاريات ، الآية : ٤٤.