أفعالنا (وَارْحَمْنا) بإفاضة أنوار شهودك ورفع حجاب الأينية بوجودك (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) بالمغفرة التامة.
(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) العدالة والاستقامة بالبقاء بعد الفناء (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) المشاهدة والزيادة (إِنَّا هُدْنا) رجعنا (إِلَيْكَ) عن ذنوب وجودنا (قالَ عَذابِي) أي :عذاب الشوق المخصوص بي الحاصل من جهتي ، وإن كان أليما لشدّة ألم الفراق ، لكنه أمر عزيز خطير (أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) من أهل العناية من عبادي الخاصة بي (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) لا تختص بأحد دون أحد غيره وشيء دون شيء ، ففي هذا العذاب رحمة لا يبلغ كنهها ولا يقدر قدرها من رحمة لذة الوصول التي قال فيها : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (١) مع كونه لذيذا لا يقاس بلذّته لذّة ، كما قال أحدهم :
وكل لذيذ قد نلت منه |
|
سوى ملذوذ وجدي بالعذاب |
ولعمري إنّ هذا العذاب أعزّ من الكبريت الأحمر. وأما الرحمة فلا يخلو من حظ منها أحد (فَسَأَكْتُبُها) تامة كاملة رحيمية كتبة خاصة (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الحجب كلها ويفيضون مما رزقوا من الأموال والأخلاق والعلوم والأحوال على مستحقيها (وَالَّذِينَ هُمْ) بجميع صفاتنا يتصفون وهم (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) في آخر الزمان ، أي : المحمديون الذين اتّبعوا في التقوى وصفه بقوله تعالى له : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٢) ، وبقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣)) (٣) ، وقوله تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧)) (٤) ، وفي إيتاء الزكاة قوله تعالى : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)) (٥) ، وفي الإيمان بالآياتقوله صلىاللهعليهوسلم : «أوتيت جوامع الكلم ، وبعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
[١٥٩ ـ ١٩٣] (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
__________________
(١) سورة السجدة ، الآية : ١٧.
(٢) سورة الأنفال ، الآية : ١٧.
(٣) سورة النجم ، الآية : ٣.
(٤) سورة النجم ، الآية : ١٧.
(٥) سورة الضحى ، الآيات : ١٠ ـ ١١.