الأخلاق منها». قال ذلك لقوة دلالتها على التوحيد ، فإن من شاهد مالك النواصي وتصرفه في عباده وكونهم فيما يأتون ويذرون به لا بأنفسهم ، لا يشاقهم ولا يداقهم في تكاليفهم ولا يغضب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يتشدّد عليهم ويحلم عنهم.
[٢٠٠] (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠))
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أي : نخس وداعية قوية تحملك على مناقشتهم برؤية الفعل منهم ونسبة الذنب إليهم (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) بالشهود والحضور لفاعليته (إِنَّهُ سَمِيعٌ) يسمع أحاديث النفس ووساوس الشيطان في الصدر (عَلِيمٌ) بالنيّات والأسرار.
[٢٠١ ـ ٢٠٥] (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥))
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) لمة (مِنَ الشَّيْطانِ) بنسبة الفعل إلى الغير (تَذَكَّرُوا) مقام التوحيد ومشاهدة الأفعال من الله (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) فعالية الله ، فلا يبقى شيطان ولا فاعل غير الله في نظرهم. وإخوان الشياطين من المحجوبين (يَمُدُّونَهُمْ) في نسبة الفعل إلى غيره فلا يقصرون من العناد والمراء والجهل (لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) أي : هلا اجتمعتها من تلقاء نفسك (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) أي : لا أفتعل بنفسي ، بل أبلغ عن الله ولا أقول إلا ما يوحى إليّ منه به لأني قائم به لا بنفسي (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) أي : إلى الله ولا تستمعوا إلا منه (وَأَنْصِتُوا) عن حديث النفس وغيره ، فإنّ المتكلم به هو الله (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) برحمة تجلي المتكلم في كلامه بصفاته وأفعاله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) حاضرا (فِي نَفْسِكَ) كقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (١). (تَضَرُّعاً) في مقام التفصيل للجمع (وَخِيفَةً) في السر من النفس أو خيفة أن يكون للنفس فيه نصيب (وَدُونَ الْجَهْرِ) أي : دون أن يظهر لك التضرع والذكر منك ، بل تكون ذاكرا به له في غدوّ ظهور نور الروح وإشراقه وغلبته ، وآصال غلبات صفات النفس وقواها (وَلا تَكُنْ) في حال من الأحوال ، وخصوصا حال غلبات النفس وصفاتها (مِنَ الْغافِلِينَ) عن شهود الوحدة الذاتية.
[٢٠٦] (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))
__________________
(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٢١.