يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨))
(كَما أَخْرَجَكَ) أي : هذه الحال ـ يعني حالهم في الاعتراض عليك في باب التنقيل ـ كحالهم في الاعتراض عليك عند إخراج ربّك إياك لأنهم لما احتجبوا عن فعل الله بأفعالهم رأوا الفعلين منك فكرهوا خروجك كما كرهوا تنقيلك وما فطنوا لإخراج ربّك إياك (مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) أي : ملتبسا بالحق ، خارجا به لا بنفسك ، فيكون بالحق حالا من مفعول : أخرجك ، أو خروجا ملتبسا بالذي هو الصواب والحكمة (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) لاحتجابهم بأفعالهم وصفاتهم (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) عليك حاله بالتجلي أو تبين عليهم آثاره بالمعجزات من قبل ، أو بإعلامك إياهم بأن النصرة لهم (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) أي : يثبته بملائكته السماوية التي أمدّهم بها.
[٩] (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩))
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) بالبراءة عن حولكم وقوّتكم إليه والانسلاخ عن حجب أفعالكم بتيقن أن التأثير والقوة منه لا منكم ولا من عدوّكم (فَاسْتَجابَ) دعوتكم عند ذلك التجرّد عن ملابس الأفعال وصفات النفس ب (أَنِّي مُمِدُّكُمْ) من عالم الملكوت لجنسية قلوبكم إياها حينئذ (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) بعالم من ملكوت القهر ، أي : من القوى السماوية وروحانياتها التي تناسب قلوبكم في تلك الحالة كما مرّت الإشارة إليه في (آل عمران) واختلاف العدد في الموضعين إما لأن المراد الكثرة لا العدد المخصوص وإما لأن قوله : (مُرْدِفِينَ) هنا يدلّ على اتباعهم بطائفة أخرى منهم وإمدادهم إما بأن يتجسدوا ويتمثلوا لهم بصورة المقاتلة كما تتمثل الصور في المنام مثلا ، فيتهيبوا منهم ، وإما بأن يصل أثرهم وقهرهم إليه فيهلكوا وينهزموا.
[١٠] (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠))
(وَما) جعل (اللهُ) الإمداد (إِلَّا) بشارة لكم بالنصر وطمأنينة لقلوبكم بالاتصال بها عند التجرّد عن ملابس النفس وأحوالها ، لا أن النصر منها فإنّ النصر ليس (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لكن حكمته تقتضي تعليق الأشياء بأسبابها (إِنَّ اللهَ) قوي على النصر غالب (حَكِيمٌ) يفعله على مقتضى الحكمة.
[١١] (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١))