(إِذْ يُغَشِّيكُمُ) نعاس هدوّ القوى البدنية والصفات النفسانية بنزول السكينة أمنا من عند الله وطمأنينة (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ) سماء الروح (ماءً) علم اليقين (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) من خبث أحاديث النفس وهواجس الوهم (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ) وسوسة (الشَّيْطانِ) وتخويفه (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) أي : ليقوي قلوبكم بقوة اليقين ويسكن جأشكم (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) إذ الشجاعة وثبات القدم في المخاوف والمهالك لا تكون إلا بقوة اليقين.
[١٢ ـ ١٦] (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦))
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) أي : يمدّ الملكوت بالجبروت فيعلموا من عالم الجبروت أن الله ناصرهم (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) بالتأييد الاتصالي (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) لانقطاعهم عن الإمداد السماوي والتأييد الإلهي واستيلاء الشك وقوّة الوهم عليهم (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) أي : ثبتوهم بتلقين هذا المعنى ، وشجعوهم بإلقاء هذا القول عليهم أو بإراءتهم هذا الفعل منكم كما هو المروي.
[١٧ ـ ٢٢] (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢))
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) أدّبهم وهداهم إلى فناء الأفعال بسلب الأفعال عنهم وإثباتها لله تعالى. ولما كان النبي عليه الصلاة والسلام في مقام البقاء بالحق نسب الفعل إليه بقوله : (إِذْ رَمَيْتَ) مع سلبه عنه بما رميت وإثباته لله بقوله : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ليفيد معنى التفصيل في عين الجمع ، فيكون الرامي محمدا بالله تعالى لا بنفسه ، وما نسب إليهم من الفعل شيئا إذ لو فعلوا لفعلوا بأنفسهم (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أي : عطاء جميلا هو توحيد الأفعال فعل ذلك (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بأحاديث نفوسكم ، أنّا قتلناهم (عَلِيمٌ) بأنه هو القاتل وإن أظهر الفعل