على مظاهركم (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) أي : لا تعرضوا عنه مع السماع لأنّ أثر السماع الفهم والتصديق ، وأثر الفهم الإرادة ، وأثر الإرادة الطاعة ، فلا يصح دعوى السماع مع الإعراض إذ هما لا يجتمعان ، فلازموا الطاعة بالإرادة إن كنتم صادقين في دعوى السماع (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ) يدعون السماع وليسوا منه في شيء لكونهم محجوبين عن الفهم والقبول كالدواب ، بل هم شرّ الدواب عند الله ، لما مرّ.
[٢٣] (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣))
(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) وصلاحا ، أي : استعدادا لقبول كمال سمعهم حتى فهموا وقبلوا وأطاعوا (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) مع عدم الخير فيهم حتى فهموا لما كان لفهمهم أثر من الإرادة والطاعة ، بل تولّوا سريعا لكون ذلك الفهم فيهم أمرا عارضيا سريع الزوال لا ذاتيا (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) بالذات ، فلا يلبث فيهم الفهم والإرادة كماقال أمير المؤمنين رضي الله عنه : «خذ الحكمة ولو من أهل النفاق ، فإنّ الحكمة لتتلجلج في صدر المنافق حتى تسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن»، أي : لا تثبت في صدره لكونها عارضية هناك لا تناسب ذاته.
[٢٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالغيب (اسْتَجِيبُوا) بالتزكية والتصفية (إِذا دَعاكُمْ لِما) يحيي قلوبكم من العلم الحقيقي أو آمنوا الإيمان التحقيقي ، استجيبوا بالسلوك إلى الله وفيه إذا دعاكم إليه لإحيائكم به. هذا إذا كانت استجابة الله والرسول استجابة واحدة ، أما إذا كانت متغايرة فمعناه : استجيبوا لله بالباطن والأعمال القلبية ، وللرسول بالظاهر والأعمال النفسية ، أو استجيبوا لله بالفناء في الجمع ، وللرسول بمراعاة حقوق التفصيل إذا دعاكم إلى الاستقامة لما يحييكم من البقاء بالله فيها ، كل ذلك قبل زوال الاستعداد فإن الله يحول بين المرء وقلبه بزوال الاستعداد وحصول الحجاب بارتكاب الرين ، فانتهزوا الفرصة ولا تؤخروا الاستجابة (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فيجازيكم من صفاته وذاته على حسب محوكم وفنائكم.
[٢٥] (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥))
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً) شركا وحجابا (لا تُصِيبَنَ) تلك الفتنة (الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ) بإزالة الاستعداد أو نقصه لاستعماله في غير موضعه وصرفه فيما دون الحق (خَاصَّةً) لانفرادهم بالظلم. ومعنى لا تصيبن النهي ، أي : إن تصب تصبهم خاصة ، كقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ