وِزْرَ أُخْرى) (١) ، ويجوز أن يكون المعنى : لا تصيبنهم خاصة ، بل تشملهم وغيرهم بشؤم صحبتهم وتعدي رذيلتهم إلى من يخالطهم كقوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (٢) ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) بتسليط الهيآت الظلمانية التي اكتسبتها القلوب عليها وحجبها عنه وتعذيبها بها.
[٢٦] (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦))
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) القدر ، لجهلكم وانقطاعكم عن نور العلم (مُسْتَضْعَفُونَ فِي) أرض النفس (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) أي : ناس القوى الحسيّة لضعف نفوسكم (فَآواكُمْ) إلى مدينة العلم (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) في مقام توحيد الأفعال (وَرَزَقَكُمْ مِنَ) طيبات علوم تجليات الصفات (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة العلوم والتجليات بالسلوك فيه.
[٢٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧))
(لا تَخُونُوا اللهَ) بنقض ميثاق التوحيد الفطري السابق (وَ) تخونوا (الرَّسُولَ) بنقض العزيمة ونبذ العقد اللاحق (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) من المعارف والحقائق التي استودع الله فيكم بحسب الاستعداد الأول في الأزل بإخفائها بصفات النفس (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنكم حاملوها ، أو تعلمون أنّ الخيانة من أسوأ الرذائل وأقبحها.
[٢٨] (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨))
(وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي : حجاب لكم لاشتغالكم بها عن الله ، أو شرك لمحبتكم إياها كحبّ الله (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) فاطلبوه بالتجرّد عنها ومراعاة حق الله فيها.
[٢٩ ـ ٣٢] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢))
(إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) بالاجتناب عن نقض العهد وفسخ العزيمة وإخفاء الأمانة ومحبة الأموال
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٦٤.
(٢) سورة الروم ، الآية : ٤١.