والأولاد حتى تفنوا فيه (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) نورا يفرق به بين الحق والباطل من طور العقل الفرقاني (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي : سيئات نفوسكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم أي : ذنوب ذواتكم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) بإعطاء الوجود الموهوب الحقاني والعقل الفرقاني.
[٣٣] (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣))
(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) لأن العذاب صورة الغضب وأثره فلا يكون إلا من غضب النبي أو من غضب الله المسبب من ذنوب الأمة ، والنبي عليهالسلام كان صورة الرحمة لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)) (١) ولهذا إذ كسروا رباعيتهقال صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»، ولم يغضب كما غضب نوح عليهالسلام ، وقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٢) فوجوده فيهم مانع من نزول العذاب ، وكذا وجود الاستغفار. فإنّ السبب الأولي للعذاب لما كان وجود الذنب والاستغفار مانع من تراكم الذنب وثباته بل يوجب زواله فلا يتسبب لغضب الله ، فما دام الاستغفار فيهم فهم لا يعذبون.
[٣٤ ـ ٤٠] (وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠))
(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) أي : ليس عدم نزول العذاب لعدم استحقاقهم لذلك بحسب أنفسهم ، بل إنهم مستحقون بذواتهم لصدورهم وصدّهم المستعدين عن مقام القلب وعدم بقاء الخيرية فيهم ولكن يمنعه وجودك ووجود المؤمنين المستغفرين معك فيهم. واعلم أن الوجود الإمكاني يتبع الخير الغالب ، لأن الوجود الواجبي هو الخير المحض ، فما رجح خيره على شره فهو موجود بوجوده بالمناسبة الخيرية ، وإذا غلب الشرّ لم تبق المناسبة فلزم استئصاله
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٧.
(٢) سورة نوح ، الآية : ٢٦.