وإعدامه فهم ما داموا على الصورة الاجتماعية كان الخير فيهم غالبا فلم يستحقوا الدمار بالعذاب. وأما إذا تفرّقوا ما بقي شرّهم إلا خالصا فوجب تدميرهم كما وقع في وقعة بدر.
ومن هذا يظهر تحقيق المعنى الثاني في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (١) لغلبة الشرّ على المجموع حينئذ ، ولهذاقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «كان في الأرض أمانان ، فرفع أحدهما وبقي الآخر. فأما الذي رفع فهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأما الذي بقي فالاستغفار» وقرأ هذه الآية.
(يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) صورة لصدودهم وإعراضهم عن معناه الذي هو القلب بالركون إلى النفس وصفاتها ، وصدّهم المستعدّين عنه بإغرائهم على الأمور النفسانية واللذّات الطبيعية.
(وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) لبعدهم عن الصفة وغلبة ظلمة النفس واستيلاء صفاتها عليهم ، واحتجابهم عنه بالكفر المستفاد من الدين (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) الذين اتّقوا صفات النفس وأفعالها (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنّ البيت صورة القلب الذي هو بيت الله بالحقيقة فلا يستحق ولايته إلا أهل التقوى من الموحدين دون المشركين.
[٤١] (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١))
(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) إلى قوله : (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) لا يقبل التأويل بحسب ما ورد فيه من (الواقعة) وإن شئت تطبيقه على تفاصيل وجودك أمكن أن نقول : واعلموا أيها القوى الروحانية أنما غنمتم من العلوم النافعة والشرائع المبنيّ عليها الإسلام في قوله : بني الإسلام على خمس ، فإن لله خمسه ، وهو شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله ، باعتبار التوحيد الجمعي ولرسول القلب (وَلِذِي الْقُرْبى) الذي هو السر ، ويتامى العاقلة النظرية والعملية ، والقوّة الكفرية ، ومساكين القوى النفسانية (وَابْنِ السَّبِيلِ) الذي هو النفس السالكة الداخلة في الغربة الجائية منازل السلوك ، النابية عن مقرها الأصلي باعتبار التوحيد التفصيلي في العالم النبوي. والأخماس الأربعة الباقية تقسم على الجوارح والأركان والقوى الطبيعية (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ) الإيمان الحقيقي (بِاللهِ) جمعا ، (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ) وقت التفرقة بعد الجمع تفصيلا (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) من فريقي القوى الروحانية والنفسانية عند الرجوع إلى مشاهدة التفصيل في الجمع.
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية : ٢٥.