(وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وهي جنات النفوس (وَمَساكِنَ) طيبة مقامات أرباب التوكل في جنات الأفعال بدليل قوله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (١) ، فإن الرضوان من جنات الصفات (ذلِكَ) أي الرضوان (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لكرامة أهله عند الله وشدّة قربهم منه.
[١٠٠ ـ ١٠١] (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١))
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) أي : الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصف الأول (مِنَ الْمُهاجِرِينَ) الذين هاجروا مواطن النفس (وَالْأَنْصارِ) الذين نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) في الاتصاف بصفات الحق (بِإِحْسانٍ) أي : بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجلال (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) لاشتراكهم في كشف الصفات والوصول إلى مقام الرضا الذي هو باب الله الأعظم (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) من جنات الأفعال والصفات (تَجْرِي تَحْتَهَا) أنهار علوم التوكل والرضا وما يناسبهما وذلك لا ينافي وجود جنة أخرى للسابقين هي جنة الذات واختصاصهم بها لاشتراك الكل في هذه.
[١٠٢ ـ ١٠٧] (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧))
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) الاعتراف بالذنب هو إبقاء نور الاستعداد ولين الشكيمة وعدم رسوخ ملكة الذنب فيه لأنه ملك الرجوع والتوبة ودليل رؤية قبح الذنب التي لا تكون إلا بنور البصيرة وانفتاح عين القلب إذ لو ارتكمت الظلمة ورسخت الرذيلة ما استقبحه ولم يره ذنبا بل رآه فعلا حسنا لمناسبته لحاله فإذا عرف أنه ذنب ففيه خير
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ٧٢.