نتيجة الوفاء بميثاق الفطرة أو نفسه كما قال تعالى : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (١) في عقد العزيمة ووعد الخليقة ، كما قال تعالى في إسماعيل عليهالسلام : (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) (٢) وإذا روعي في المواطن كلها حتى الخاطر والفكر والنية والقول والعمل صدقت المنامات والواردات والأحوال والمقامات والمواهب والمشاهدات كأنه أصل شجرة الكمال وبذر ثمرة الأحوال.
(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) أي : يجب على كل مستعد من جماعة سلوك طريق طلب العلم إذ لا يمكن لجميعهم ، أما ظاهرا فلفوات المصالح ، وأما باطنا فلعدم الاستعداد. والتفقه في الدين هو من علوم القلب لا من علوم الكسب إذ ليس كل من يكتسب العلم يتفقه كما قال تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) (٣) والأكنة : هي الغشاوات الطبيعية والحجب النفسانية فمن أراد التفقّه فلينفر في سبيل الله وليسلك طريق التزكية والتصفية حتى يظهر العلم من قلبه على لسانه كما نزل على بعض أنبياء بني إسرائيل : «يا بني إسرائيل ، لا تقولوا العلم في السماء من ينزل به ، ولا في تخوم الأرض من يصعد به ، ولا من وراء البحر من يعبر ويأتي به ، العلم مجعول في قلوبكم تأدّبوا بين يديّ بآداب الروحانيين ، وتخلقوا بأخلاق الصديقين ، أظهر العلم من قلوبكم حتى يغمركم ويغطيكم». فالمراد من التفقه علم راسخ في القلب ، ضارب بعروقه في النفس ، ظاهر أثره على الجوارح بحيث لا يمكن صاحبه ارتكاب ما يخالف ذلك العلم وإلا لم يكن عالما. ألا ترى كيف سلب الله الفقه عمن لم تكن رهبة الله أغلب عليه من رهبة الناس بقوله تعالى : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣)) (٤) لكون رهبة الله لازمة للعلم ، كما قال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٥) وسلب العلم عمن لم يعمل به في قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٦). وإذا تفقهوا وظهر علمهم على جوارحهم أثر في غيرهم وتأثروا منه لارتوائهم به وترشحهم منه كما كان حال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلزم الإنذار الذي هو غايته كما قال : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ومن لازم التفقه الجهاد الأكبر ثم الأصغر فلذلك قال بعده : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) من كفار قوى نفوسكم التي هي أعدى
__________________
(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٢٣.
(٢) سورة مريم ، الآية : ٥٤.
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ٢٥.
(٤) سورة الحشر ، الآية : ١٣.
(٥) سورة فاطر ، الآية : ٢٨.
(٦) سورة الزمر ، الآية : ٩.