(وَما كانَ اللهُ) ليضلّهم عن طريق التسليم والانقياد لأمره والرضا بحكمه (بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) إلى التوحيد العلمي ورؤية وقوع كل شيء بقضائه وقدره (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ) كل ما يجب عليهم اتقاؤه في كل مقام من مقامات سلوكهم ومرتبة من مراتب وصولهم ، فإن أقدموا في بعض مقاماتهم على ما تبين لهم وجوب اتقائه فهو يضلهم لكونهم مقدمين على ما هو ذنب حالهم وهو فسق في دينهم والعياذ بالله من الضلال بعد الهدى. (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم دقائق ذنوب أحوالهم وإن لم يتفطن لها أحد فيؤاخذ بها أهل الهداية من أوليائه كماورد في الحديث الرباني : «وأنذر الصدّيقين بأني غيور».
[١١٩ ـ ١٢٥] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١) وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) في جميع الرذائل بالاجتناب عنها خاصة رذيلة الكذب ، وذلك معنى قوله : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) فإن الكذب أسوأ الرذائل وأقبحها لكونه ينافي المروءةلقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا مروءة لكذوب»إذ المراد من الكلام الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان إخبار الغير عما لا يعلم ، فإذا كان الخبر غير مطابق لم تحصل فائدة النطق وحصل منه اعتقاد غير مطابق وذلك من خواص الشيطنة ، فالكاذب شيطان. وكما أن الكذب أقبح الرذائل ، فالصدق أحسن الفضائل. وأصل كل حسنة ومادة كل خصلة محمودة وملاك كل خير وسعادة به يحصل كل كمال ويحصل كل حال وأصله الصدق في عهد الله تعالى الذي هو