[٧ ـ ٨] (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨))
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي : خلق العالم الجسماني في ست جهات (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) أي : عرشه الذي هو العقل الأول مبتنيا على العلم الأول مستندا إليه مقدما بالوجود على عالم الأجسام ، وإن أوّلنا الأيام الستة بمدة الخفاء كما مر وخلق السموات والأرض باختفائه تعالى بتفاصيل الموجودات فمعنى كون عرشه على الماء كونه قبل بداية الاختفاء ظاهرا معلوما للناس كقولك : فعلته على علم ، أي : في حال كونه معلوما لي ، أو كوني عالما به ، أي : على المعلومية كماقال حارثة حين سأله رسول الله صلىاللهعليهوسلم :«كيف أصبحت يا حارثة؟» قال : أصبحت مؤمنا حقا. قال صلىاللهعليهوسلم : «لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك؟» قال : رأيت أهل الجنة يتزاورون ورأيت أهل النار يتعاوون ورأيت عرش ربي بارزا. قال صلىاللهعليهوسلم : «أصبت ، فالزم». وقد عبّر في الشرع عن المادة الهيولانية بالماء في مواضع كثيرة منها ما ورد في الحديث : إن الله خلق أول ما خلق جوهرة ، فنظر إليها بعين الجلال فذابت حياء نصفها ماء ونصفها نار. فإن أوّلناه بها فمعناه : وكان عرشه قبل السموات والأرض بالذات لا بالزمان مستعليا على المادة فوقها بالرتبة ، وإن شئت التطبيق على تفاصيل وجودك فمعناه خلق سموات القوى الروحانية وأرض الجسد في الأشهر الستة التي هي أقل مدة الحمل وكان عرشه الذي هو قلب المؤمن على ماء مادة الجسد مستوليا عليه متعلقا به تعلق التصوير والتدبير (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) جعل غاية خلق الأشياء ظهور أعمال الناس أي :خلقناهم لنعلم العلم التفصيلي التابع للوجود الذي يترتب عليه الجزاء أيكم أحسن عملا فإن علم الله قسمان : قسم يتقدّم وجود الشيء في اللوح ، وقسم يتأخر وجوده في مظاهر الخلق والبلاء الذي هو الاختبار هو هذا القسم.
[٩ ـ ١٠] (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠))
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) إلى آخره ، ينبغي للإنسان أن يكون في الفقر والغنى والشدّة والرخاء والمرض والصحة واثقا بالله متوكلا عليه لا يحتجب عنه بوجود نعمة ولا بسعيه وتصرّفه في الكسب ولا بقوّته وقدرته في الطلب ولا بسائر الأسباب والوسائط لئلا يحصل اليأس عند فقدان تلك الأسباب والكفران والبطر والأشر عند وجودها فيبعد بها عن الله