تعالى وينساه فينساه الله بل يرى الإعطاء والمنع منه دون غيره ، فإن أتاه رحمة من صحة أو نعمة شكره أولا برؤية ذلك منه وشهود المنعم في صورة النعمة ، وذلك بالقلب ثم بالجوارح باستعمالها في مراضيه وطاعته والقيام بحقوقه تعالى فيها ثم باللسان بالحمد والثناء متيقنا بأنه القادر على سلبها ، وحافظا عليها بشكرها مستزيدا إياها اعتمادا على قوله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (١).
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر»، ثم إن نزعها منه فليصبر ولا يتأسف عليها عالما بأنه هو الذي نزع دون غيره لمصلحة تعود إليه. فإنّ الرب تعالى كالوالد المشفق في تربيته إياه ، بل أرأف وأرحم ، فإن الوالد محجوب عما يعلمه تعالى إذ لا يرى إلا عاجل مصالحه وظاهرها وهو العالم بالغيب والشهادة فيعلم ما فيه صلاحه عاجلا وآجلا راضيا بفعله راجيا إعادة أحسن ما نزع منها إليه إذ القانط من رحمته بعيد منه لا يستوسع رحمته لضيق وعائه محجوب عن ربوبيته لا يرى عموم فيض رحمته ودوامه ثم إذا أعادها لم يفرح بوجودها كما لم يحزن بفقدانها ولا يفخر بها على الناس ، فإن ذلك من الجهل وظهور النفس وإلا لعلم أن ذلك ليس منه وله فبأي سبب يسوغ له فخر بما ليس له ومنه بل لله ومن الله.
[١١ ـ ١٤] (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤))
(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) استثناء من الإنسان أي هذا النوع يئوس كفور فرح فخور في الحالين إلا الذين صبروا مع الله واقفين معه في حالة الضراء والنعماء والشدة والرخاء كما قال عمر رضي الله عنه : الفقر والغنى مطيتان لا أبالي أيهما أمتطي ، (وَعَمِلُوا) في الحالين ما فيه صلاحهم مما ذكر (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من ذنوب ظهور النفس باليأس والكفران والفرح والفخر في الحالين (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) من ثواب تجليات الأفعال والصفات وجنانها (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) لما لم يقبلوا كلامه صلىاللهعليهوسلم بالإرادة وأنكروا قوله بالاقتراحات الفاسدة وقابلوه بالعناد والاستهزاء ضاق صدره ولم ينبسط للكلام إذ الإرادة تجذب الكلام وقبول المستمع يزيد نشاط المتكلم ويوجب بسطه فيه ، وإذا لم يجد المتكلم محلا قابلا لم يتسهل له
__________________
(١) سورة إبراهيم ، الآية : ٧.